تابعوني على فيس بوك

السبت، 25 أكتوبر 2008

الحائرتان


وقفت "رنا" وشقيقتها الصغرى "شمس" على قارعة الطريق، وقد اعترتهما الحيرة وظهر الخوف بأقصى درجاته على وجهيهما الجميلين البريئين.
كانت الفتاتان تقفان عند مفترق طرق يتفرع لثلاثة اتجاهات مختلفة، بينما ينتشر الضباب حولهما بشكل يعوق الرؤية ويسبب لهما الرعب والفزع.
- "أي من هذه الطرق نتخذ يا "رنا"؟؟!!" تساءلت الصغيرة "شمس" في حيرة وخوف.
أحاطت "رنا" كتفي شقيقتها بذراعها في حنان، وحاولت أن تبث في أعماقها ثقة تفتقر هي نفسها إليها فقالت:
-" لا تخافي يا حبيبتي... سنهتدي للطريق الصحيح إن شاء الله، وإذا اختلط علينا الأمر يمكننا دائما أن نعود من حيث أتينا"
والتفتت خلفها وهي تشير إلى الطريق الذي جاءا منه معا، لتشهق في فزع، وتضم أختها إليها أكثر وأكثر...
- " لقد ... لقد اختفى الطريق يا "رنا"!! اختفى الطريق الذي أتينا منه، وارتفع خلفنا هذا الحائط المرعب"
صرخت "شمس" بهذه الكلمات وهي تنكمش ملتصقة بجسد شقيقتها الكبرى.
صمتت "رنا" قليلا وهي لا تدري ماذا تقول لتهدئ من روع "شمس"، ثم لم تلبث أن حاولت التماسك، لتبتسم في وجهها قائلة:
- "اهدئي يا "شمس" أنا معك لاتخش شيئا، ولنعتبرها لعبة مسلية، ولغز علينا حله لنفوز بجائزة قيمة... ما رأيك؟ هيا سنحاول معرفة أي هذه الطرق هو الذي يجب أن نسلكه"
وأمسكت بيدها في رفق وحنان، وهي تمسح بيدها الأخرى دموع الخوف التي سالت على وجنتيها الصغيرتين.
- "حسنا يا "رنا" لكن أرجوك لا تتركيني وحدي"
وقبل أن تجيبها "رنا" من جديد بعبارة مطمئنة انبعث عن يمينهما صوت غليظ يقول:
- "تفضلا من هنا أيتها الأختين الفاضلتين... مكانكما هنا حيث طريق الخلاص والإيمان"
انطلقت صيحة فزع من حلق "شمس" والتصقت أكثر وأكثر بجسد "رنا" التي حاولت أن تسبر بعينيها حجب الضباب الذي يخيم على كل شيء، وميزت بصعوبة كهلا يقف في الطريق الأيمن... لم تتبين شيئا من ملامحه سوى لحية سوداء طويلة تتخللها شعيرات بيضاء تلتهم أغلب وجهه، ويبدو في منتصفها شق عرضي كما لو كان فم يبتسم.
وفجأة برز كف الرجل ممتدا من وسط الضباب، وهو يقول لهما: "معنا ستعيشان في أمان... سترتديان ثياب العفاف والطهر مثل أخواتكما هنا" وأشار إلى ما بدا ككيان أسود كبير ارتعدت كلا من الفتاتين عندما وقعت عيونهما عليه، ثم لم تلبث "رنا" أن ميزت في هذا الكيان عددا من الأفراد تغطيهم ثياب سوداء من رؤسهم حتى أخمص أقدامهم، وغمغمت في دهشة وخوف: "أهؤلاء هم الأخوات؟!"
أجابها الرجل في حماس:"نعم... يرتدين ما يسترهن عن عيون الفضوليين، ولا يغادرن بيوتهن إلا للضرورة ومع محرم محافظة عليهن من شرور المجتمع الكافر وفتنته، ونختار لهن أزواجا فاضلين يحافظون عليهن ويرعون شئونهن... أقدما ولا تخشيا شيئا... أقدما .. أقدما!"
انبعث فجأة عن يسار الشقيقتين صوت آخر ناعم ورقيق يقول:
- "بل هنا مكانكما... صدقاني. هنا الحياة تفتح لكما ذراعيها عن آخرها... حياة تليق بفتاتين جميلتين مثلكما من حقهما الاستمتاع بشبابهما وتجرع مباهج الدنيا حتى آخر قطرة"
تطلعت الفتاتان في دهشة وفضول إلى مصدر الصوت، وإذا بهما تميزان من بين الضباب ملامح شاب وسيم أنيق حليق يجمع في كلماته بين لغتين أو ثلاث في مزيج مدهش، وأكمل الشاب وهو يشير إلى ما خلفه:
- "هنا يا بنات ستعيشان حياة الانطلاق والحرية... تخرجان كما تريدان وتقضيان أوقاتا ممتعة هنا وهناك... تلبسان أحدث صيحات الموضة مهما بلغت غرابتها... ترقصان وتمرحان دون رقيب أو حسيب، تصادقان من الشباب ما يروق لكما، أو تتركانه وقتما تريدان. ليس من حق أي كائن من كان أن يتدخل في شئونكما، ولا يوجد أي نظام في الكون عليكما الالتزام به، فما خلقت القواعد إلا لنكسرها... أليس كذلك؟!"
- " ولم ينتظر منهما إجابة، وإنما مد كفه هو الآخر إليهما وهو يقول: "Come on, girls… Be cool!!"
ومن خلفه وسط الضباب تبينت "رنا" و"شمس" ما بدا كأجساد فتيات نصفها مكشوف – أو أكثر قليلا – بينما تتطاير شعورهن الغجرية الشقراء والسوداء والبنية هنا وهناك، مع ارتفاع أصوات المرح في المكان.
وابتسمت "شمس" لأول مرة وهي تجذب "رنا" من ثوبها قائلة:
"هيا يا "رنا"! سنذهب مع هذا الشاب اللطيف، ونحيا في سعادة مع أصدقائه"
جذبتها "رنا" إليها في حذر، وهي تقول:
- "انتظري يا حبيبتي ولا تتسرعي، وتذكري دائما أن ليس كل ما يلمع ذهبا، لكني يجب أن أعترف أن هذا الطريق يبدو جذابا للغاية"
صرخ الكهل ذو اللحية عن يمينها:
-" لا ... لا يا بنيتي... بل هنا مكانكما... لا تسيرا في طريق الضلال والعياذ بالله، وترفضا طريق الهدى"
صرخت فيه "رنا" بدورها:
- " وما أدراني أيها الشيخ أن ما تدعوني إليه هو الطريق الصحيح... إنه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة"
أجابها:"لا تقولي ذلك، بل هو طريقك للحياة الأبدية والفوز بجوائز الإيمان، فما متاع الدنيا إلا إلى زوال"
ترددت "رنا" وهي تدير عينيها في حيرة بين اليمين واليسار، وتمسك بكف "شمس" المستسلمة للقرار الذي ستتخذه أختها أيا كان.
كنت أراقب كل هذا المشهد من بعيد، من موقعي على الطريق الثالث الموجود في المنتصف، ويمتد مباشرة أمام الأختين الحائرتين وكل ما عليهما هو السير للأمام في خط مستقيم حتى تسلكاه.
كنت أراقب وأنا أصرخ فيهما:
-"انتظرا.. لا تسمعا كلامهما، ولا تتخذا أيا من الطريقين... ليست الجنة مع ذلك الكهل المدع، فلم يخلقنا الله لننعزل عن الحياة، ونسدل ستارا أسودا على عقولنا وأجسادنا، ونحيا بلا حول ولا قوة يفعل بنا الآخرون ما يحلو لهم. وليست الحياة مع ذلك الشاب الفرح بنفسه، فالحرية المطلقة دون الاتزام بأي معايير أو قواعد لن تؤدي إلا إلى الفوضى، ولم يخلقنا الله عز وجل لنحيا في فوضى، بل لنعبده ونعمر الأرض. لا تلتفتا يمينا أو يسارا. فقط امضيا للأمام في طريق مستقيم... تعلما واعملا واختلطا بالناس وتعرفا على أفكارهم.. اختارا من الحياة ما يناسبكما، ولكن اعرفا أولا من أنتما، وبماذا تؤمنان والتزما بذلك ستعبرا بإذن الله لبر الأمان"
صرخت بهذه الكلمات بكل قوتي، لكني اكتشفت أن صوتي لم يتجاوز حلقي، فقد أبت شفتاي بكل إصرار أن تنفتحا وتسمحا لكلماتي بالعبور لتجد طريقها لآذان الفتاتين.
واستيقظت فجأة من نومي، وأدركت أنه كان حلما، لكني لسبب ما شعرت أنه ليس مجرد حلم، حتى بعد استيقاظي واندماجي في روتين حياتي اليومية.
وظل السؤال يتردد بداخلي:
- " يا ترى أي الطرق اتخذت الأختين؟؟!!"
ودعوت الله من قلبي أن يحفظهما ويصونهما من كل شر.

*
إهداء :إلى أجمل فتاتين لم ترهما عيناي، وإنما رأيتهما بقلبي.

هناك 16 تعليقًا:

أمل حمدي يقول...

فقط امضيا للأمام في طريق مستقيم... تعلما واعملا واختلطا بالناس وتعرفا على أفكارهم.. اختارا من الحياة ما يناسبكما، ولكن اعرفا أولا من أنتما، وبماذا تؤمنان والتزما بذلك ستعبرا بإذن الله لبر الأمان"


قصة رائعة المضمون

تسلم ايدك

mohamed ghalia يقول...

تفضلا من هنا أيتها الأختين الفاضلتين... مكانكما هنا حيث طريق الخلاص والإيمان"
عم هذا هو الطريق
تقبلى تحياتى
دمتى بود
قصة رائعة

فارس بلا جواد يقول...

السلام عليكم
لكم منى ارق التحيه
الحقيقه البوست حلو جدا
القصه متصوره بشكل هايل واسلوب صياغتها تم ببراعه شديده
بس اجمل حاجه الاهداء

تحياتى للقلم المنير

حكيم يقول...

تسلم احلامك يا روزا

فعلا حلوه...

المره الجاية باذن الله يكون الحلم احلي

بس من غير حيره.

DR.HAMAS يقول...

اللهم احفظ بنات أمتنا يا رب

و اهدهم سواء السبيل




د.حماس

ريمان يقول...

السلام عليكم

مدونتك شكلها جميل اوى ما شاء الله

ولذيذه

بجد تحفه

والبوست كمان جميل

القصه فعلا جميله والاحداث اللى فيها مشوقه جدا

مع تحياتى

La RoSe يقول...

سلام عليكم

أزيك يا روزا ؟عاملة أيه؟

إن شاء الله تكوني بخير

القصة حلوة أوي ومُعبرة وأنا ملاحظة إنك الأسلوب والعرض عندك في صعود فعلاً ،ربنا معاكي وبالتوفيق إن شاء الله

تحياتي:)

غير معرف يقول...

عزيزتناالورده البيضا
صباح الخير
قصتك مع الكمبيوتر هى حلقةالسبت اول نوفمبر من برنامجنا الأذاعى انت تسال والكمبيوتر يجيب على موجات أذاعة البرنامج العامالتاسعه وعشر دقائق صباحا
اجمل المنى
موقعنا
http://dear.to/cairo
مدونتنا
http://netonradio.blogspot.com

الوردة البيضا يقول...

ماما أمولة
شرفتيني ونورتيني وكلماتك شجعتني وأسعدتني

تحياتي لك

الوردة البيضا يقول...

الصديق محمد غالية
تشجيعك الدائم ومتابعتك لي أمر له عظيم التقدير عندي.

دمت أنت أيضا بود

الوردة البيضا يقول...

فارس بلا جواد
زرت مدونتك وأعجبت جدا بتصميمها الجميل، وبكلماتك الرقيقة.
أتمنى أن تتكرر زيارتك أيها الفارس
تحياتي

الوردة البيضا يقول...

حكيم
أشكرك على زيارتك، وسعيدة أن أعجبتك قصتي.
وانتظر إبداعك على مدونتك الخاصة
سلامي لك

الوردة البيضا يقول...

د. حماس
أضم صوتي لصوتك في دعائك الجميل

اللهم تقبل
وشرفتني بزيارتك

الوردة البيضا يقول...

ريمان
إنت اللي عسل والله وكلامك أسعدني جدا

وزيارتك أسعدتني أكتر، وياريت تكرريها.

في انتظارك

الوردة البيضا يقول...

la rose
ازيك انت يا قمر؟ فينك من زمان؟

ربنا يكرمك على تشجيعك ليا، وزيارتك بتسعدني دايما

أشوفك على خير

الوردة البيضا يقول...

أنت تسأل والكمبيوتر يجيب:
جزيل الشكر لحضرتك يا أستاذ صلاح، وقد استمعت بالفعل للحلقة وسعدت بها للغاية، وأرجو أن تتفضل بتلبية طلبي وإرسال ملف الحلقة على إيميلي.

الف شكر
وفي انتظار زيارتك القادمة