تابعوني على فيس بوك

الأحد، 28 ديسمبر 2008

نظرة

كيف حالكم يا أصدقائي الأعزاء؟ أتمنى أن يكون الجميع بخير
اعتدت منذ افتتاح مدونتي العزيزة على نشر موضوع جديد كل أسبوع، لكني – وللمرة الأولى – تجاوزت هذه المرة حاجز العشرة أيام دون أن أجد الفرصة لكتابة أي شيء جديد بسبب ضغط العمل الرهيب الذي أعاني منه هذه الأيام والذي يدفعني للعمل حتى في أيام الأجازات الرسمية، إن لم يكن في المكتب ففي المنزل مع إرسال العمل الذي تم إنجازه بالإيميل. لذلك أعتذر لكم عن التأخير.
أوحشتوني جدا، ولذلك قررت أن أطل عليكم هذه الإطلالة القصيرة، لأتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا مليئا بالسعادة والخير، ولأعرض عليكم عملا قصصيا أعتبره من أول النصوص التي كانت السبب في عشقي لفن القصة القصيرة، وإدراكي لقوة تأثيره، وأهميته في عرض فكرة عميقة رغم قصر نصه. هذا العمل هو تحفة أبدعتها أصابع أمير القصة القصيرة الدكتور يوسف إدريس، وقد قرأتها للمرة الأولى في عامي الثالث الثانوي حيث كانت مقررة علينا كنموذج للإبداع في فن القصة القصيرة. منذ فترة دارت مناقشة بيني وبين صديق حاولت فيها إقناعه أن قصر النص – حتى وإن لم يكمل صفحة واحدة – لا يقلل أبدا من أهميته وإبداع كاتبه بل على العكس يؤكد هذا الإبداع في حالة نجاح الكاتب في توصيل الفكرة المطلوبة بأقل كلمات ممكنة دون الإخلال بالعناصر الأساسية للقصة التي لا تخرج عن كونها مشهدا استوقف الكاتب فقرر التقاطه ليس بآلة التصوير وإنما بالكلمات، واستشهدت وقتها بهذه القصة للتدليل على كلامي، ثم عادت القصة نفسها لتلح على ذهني من جديد مع إطلاق الحملة الإعلانية الإنسانية التي تحمل اسم "من لا يَرحم لا يُرحم". اقرأوا معي يا أصدقائي وأخبروني برأيكم.
نـــظــــــــرة


كان غربيا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا . ففوق رأسها تستقر " صينية بطاطس بالفرن " وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة . وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه، حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيرى،وأسرعت لإنقاذ الحمل .وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية .ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي. ولكنني نجحت أخيرا في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن، وكان قريبا، حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه . ولست أدري ما دار في رأسها ، فما كنت أري لها رأسا وقد حجبه الحمل. كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها، ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة "ستّي". ولم أحول عيني عنها، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين .
وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة،وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
راقبتها طويلا حتى امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة، وأخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
واستأنفت سيرها علي الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك ،وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء علي ما يرام، والحوض والصينية في أتم اعتدال، أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها، وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون .
ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها، وقبل أن تنحرف،استدارت على مهل، واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة .

الاثنين، 15 ديسمبر 2008

لله درك يا "منتظر"... يا صاحب أغلى حذاء في العالم



كنت بين النوم واليقظة في فراشي بالأمس عندما سمعت صوت شقيقتي في الردهة وهي تهلل بانتصار وتنادي على أبي وأمي بمنتهى الحماس ليشاهدا معها رئيس أكبر وأقوى وأهم دولة في العالم وأكثرها ظلما وجبروتا وهو يُضرب بالحذاء فردة وراء الأخرى!!
ومن صياحها وحماسها وهي تشرح لهما ما حدث علمت ما جرى، لكني لم أتحمس مثلها بما يكفي لمغادرة فراشي لإلقاء نظرة على هذا المشهد التاريخي الذي أخذت قنوات التليفزيون تعيده مرارا وتكرارا مثلما يفعلون مع أهداف كرة القدم في المباريات الدولية الهامة.
أحزنني بالطبع أن "بوش" قد نجح بمنتهى المهارة في تفادي فردتي الحذاء، وأغاظني بروده وسماجته وهو يلقي دعابة حول مقاس الحذاء الذي طار فوق رأسه، لكن ما مزق قلبي بحق كان صوت صراخ الصحفي العراقي المسكين "منتظر الزيدي"، وهو يئن من الألم تحت وطأ ضربات الحرس الخاص لبوش ومعهم حرس حكومة وطنه التي تدين بالولاء للمحتل الأمريكي القبيح. وكدت أبكي وأنا أتخيل المصير الذي ينتظر ذلك البطل الذي فعل ما لا يجرؤ عليه إنسان ووجه لبوش وللعلم الأمريكي إهانة مستحقة على مرأى ومسمع من العالم أجمع!
بعد التفتيش الدقيق الذي خضع له "منتظر" مثل كل من سمح له بدخول هذه القاعة التي تخضع بالحراسة المشددة لم يبق له سوى حيلة العاجز، فقد كان سلاحه الوحيد الذي يملكه في هذه اللحظة هو حذاؤه، لكنه لم يتردد وألقاه بكل قوته والنار المحتدمة بداخله في وجه القبح والظلم والعدوان .. في وجه "جورج بوش" الذي وصفته أمه نفسها بأنه "أغبى أبناءها الذي يحكم العالم"!!
وأخذت أتساءل: من منا في شجاعة وإقدام "منتظر"؟؟ من في كل العرب والمسلمين الذين ذاقوا الذل والمهانة والمرار بألوانه المختلفة على يد أمريكا وإسرائيل من خلفها كان يمتلك ما يكفي من الجسارة ليفعل ما فعله هذا البطل؟؟!!
الإجابة للأسف هي لا أحد، أعلمها كما أعلم تماما أنه لن يكون هناك موقف عربي "رسمي" واحد من أي ركن في أنحاء وطننا الكبير يتحرك بشكل فعال لإنقاذ من انتقم لكرامتنا جميعا، ووجه لبوش الرسالة التي ود كل منا أن يتسلمها، ولذلك فاستكمالا لاتباع مبدأ حيلة العاجز أدعو الله العلي العظيم من كل قلبي أن يكون بجوارك يا "منتظر"، وأن ينقذك من كيدهم ومن بطشهم وأن يجعل نارهم بردا وسلاما عليك كما كانت على "إبراهيم" عليه السلام.

الأحد، 7 ديسمبر 2008

ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين


لن أقص عليكم هذه المرة قصة جديدة، ولن يكون موضوعي هذا أيضا مجرد تهنئة بالعيد كما كنت أتمنى، وذلك بعد أن وقع موقف محزن لصديق عزيز ليس مصريا.
للأسف تعرض هذا الصديق منذ أيام قلائل لحادث سرقة سخيف أثناء وجوده بأحد المطاعم الشهيرة بوسط القاهرة، حيث اختفت حقيبته فجأة من جواره دون أن يترك ذلك اللص الحقير أي أثر خلفه، وبالإضافة لما كانت تحتويه هذه الحقيبة من أموال وأشياء خاصة بصاحبها وتساوي الكثير ماديا ومعنويا، فقد احتوت أيضا على أمانة لا تخصه، وعليه الآن بعد سرقتها أن يتحمل ثمنها كاملا!!
يجب أن نعترف أن الحوادث السخيفة التي تقع في شوارع القاهرة– من سرقة ونشل وخلافه الكثير – قد زادت بشدة في الفترة الأخيرة، وأن شقيقتي نفسها قد تعرضت في شهر واحد لحادثين دفعة واحدة أحدهما سرقة بالإكراه عندما مرت بجوارها دراجة بخارية مسرعة جدا يركبها شابان اختطف أحدهما حقيبتها بكل محتوياتها في لمح البصر، وأكملت الدراجة البخارية انطلاقها دون أن يتدخل أحد من المارة رغم صراخ شقيقتي التي أصابها الفزع والرعب مما حدث، والمرة الأخرى كانت حادث نشل في مترو الأنفاق، وضاع فيها مبلغا محترما من المال إلى جوار بطاقتها الشخصية - التي كانت قد استخرجتها من جديد بعد ضياعها في الحادث الأول!!
قد يكون تعدد هذه الحوادث ووضوحها بشكل كبير نتاج عدد سكان مصر الرهيب الذي يتزايد باضطراد وبلا هوادة، بالإضافة لزوارها والمقيمين فيها من الجنسيات الأخرى، مع الظروف الإقتصادية والاجتماعية المؤلمة التي تمر بها بلادنا والتي نعلمها جميعا، لكن الأمر اتسع ليتجاوز الأضرار الفردية، تجاوزه إلى الإضرار بسمعة مصر وتشويه أجمل سمة لطالما اتسمت بها بالنسبة لكل غريب أو زائر، والتي عبر عنها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم بقوله "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"... أين ذهب الأمان فيك يا مصر؟؟ وإن كنا نحن كمصريين يمكننا إيجاد تبريرات عندما تحدث هذه المواقف المؤلمة لأي منا، فما الذي يمكنني أن أقوله لصديقي هذا وغيره الكثيرين الذين فقدوا الثقة في المصريين وباتوا يفتقرون للأمان بيننا ولعل آخرهم المطربة المغربية ليلى غفران التي فقدت ابنتها مؤخرا على أرض مصر والقاتل مصري للأسف!!
ماذا حدث لنا؟؟ وماذا حدث لمصرنا الحبيبة الآمنة الجميلة التي تفتح ذراعيها منذ آلاف السنين لكل زائر وغريب، وتحيطه بالكرم والأمان والود؟؟؟
لازال الخير موجودا في أبنائك يا مصر هذا صحيح، لكنه انكمش كثيرا كثيرا عما سبق، وأصبح الأخيار قلة مندسة وسط الآلاف من منعدمي الذمة والضمير، ولكي لا تكون الصورة قاتمة تماما يجب أن أقص الموقف الذي تعرضت له أنا شخصيا في أحد الأيام عندما كنت في طريقي لعملي صباحا وركبت وسيلة مواصلات خاطئة بعد أن ضللني المنادي الذي يجمع الأجرة بالسيارة، وبسبب الزحام الرهيب تركت حقيبتي مع إحدى الراكبات حتى أستطيع الوقوف، ولكني عندما اكتشفت أن السيارة تسير في مسار خاطئ لن يذهب بي أبدا إلى عملي الذي تأخرت بالفعل عن موعده تصاعدت الدماء إلى رأسي وتشاجرت مع المنادي حتى أوقف السائق السيارة وفي غمرة انفعالي نزلت وتركت حقيبتي!!
لم يكن معي طبعا قرش واحد، لكن أقسم لكم أن سائقا آخر محترما توقف لي وأصر على توصيلي حتى باب الشركة التي أعمل بها دون أن يتقاضى أجرته بل أصر أيضا على منحي جنيها أركب به لأعود لمنزلي!!!
الأدهى من ذلك أن حقيبتي المفقودة عادت لي في اليوم نفسه دون أن تنقص منها قشة، ودون أن يقبل سائق السيارة التي كنت أركبها،- والذي عثر عليها بعد نزول الركاب – أن يتقاضى أي مكافأة على أمانته، وفعل مثله ساعي مكتبي الذي ذهب للقائه واستلام الحقيبة منه!!
هذا هو كل ما يمكنني قوله لصديقي ولكل من تعرض لحادث مؤلم على أرض وطني الحبيب... الخير لا يزال موجودا في أبناء مصر رغم كل ما يحدث لهم ويدفع البعض منهم لارتكاب أفعال غير مسئولة تسيئ لنا كمصريين وتسيئ لصورة مصرنا الجميلة في عيون زوارها.
يؤسفني إثارة موضوع كهذا في هذه الأيام التي نحتفل فيها بعيد الأضحى المبارك، لكني أنتهزها فرصة لأدعو الله في يوم عرفة أن ينمي بذرة الخير الباقية في نفوس أبناء مصر، ويوقظ ضمائر من غابت ضمائرهم منا ليعلموا بشاعة الجرم الذي يرتكبوه...
وأدعوه أن تعود مصر- كما كانت على مر العصور – حصن أمان لكل من يقصدها وكل من يحيا على أرضها.
آمين

السبت، 29 نوفمبر 2008

أنا في انتظارك



عم السكون والهدوء التام أركان المنزل الصغير المرتب، إلا من الدقات الرتيبة للساعة الكبيرة المعلقة على الحائط، إلى أن شق الصمت صوت خطوات بطيئة لسيدة مسنة تبدو على ملامحها الطيبة والحزن النبيل، وبقايا جمال لافت.
اتجهت السيدة مباشرة نحو منتصف ردهة المنزل الخاوية من البشر، حيث استقرت على مقعد هزاز يجاور منضدة صغيرة عليها مسجل قديم تأملته السيدة للحظة قبل أن تمد أصابعها لتديره، ثم تعود لتستند على ظهر المقعد.
وانطلق في خفوت من المسجل القديم صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهي تشدو بإحدى روائعها: "أنا في انتظارك خليت ناري في ضلوعي وحطيت إيدي على خدي وعديت بالثانية غيابك ولا جيت...."
وشردت السيدة وهي تستمع لأغنيتها المفضلة، وانطلقت بعقلها في جولة بين الذكريات التي اختلطت بكلمات الأغنية لترسم على وجهها الصافي تعبيرات صامتة، لكنها تنطق بالفرحة تارة وبالأحزان واللوعة تارة أخرى.
تذكرت لقاءها الأول بحبيب عمرها منذ أكثر من ثلاثين عاما، عندما ذهبت لاستلام العمل في إحدى الشركات بعد تخرجها، وكان هو زميلها بنفس المكتب، واستقبلها بابتسامة ساحرة أزالت عنها كل توترها، وسرعان ما نسج الحب خيوطه الحريرية لتربط بين قلبيهما في شهور قليلة...
تذكرت كيف رفضت أسرتها ارتباطها بذلك الشاب الفقير الذي لا يزال يخطو خطواته الأولى في الحياة.. أشفق عليها والديها من اختبار قسوة الحياة، وهما من اجتهدا طوال حياتهما لتوفير حياة كريمة قدر الإمكان لها ولإخواتها، لكنها أصرت بمنتهى الحزم على اختيارها له، وأخبرت أهلها أنها لن ترضى بغيره شريكا لحياتها، وأنها لن تنتظر منهم أيه مساعدة على تنفيذ قرارها سوى مباركته.
وارتسمت على شفتيها المتعبتين ابتسامة رائعة عندما رأت طيفها هي وخطيبها – آن ذاك – وهما يخطوان خطواتهما الأولى داخل هذه الشقة الصغيرة التي كانت في ذلك الحين خاوية على عروشها، لكنها كانت بالنسبة لها أجمل قصر سيضمها مع من أحبت واختارت... تذكرت نظراته الخجلة المليئة بالامتنان وهو يعتذر لها عن ضعف إمكاناته، وعدم قدرته على تجهيز المنزل بالشكل اللائق، وكيف طمأنته أنها معه ولن تتخلى عنه حتى نهاية المشوار.
وابتسمت لهما الحياة... كان زوجها نعم الزوج الحنون التقي... لم يغضبها يوما أو يتنصل من مسئوليته اتجاه أسرته.. لم يكل من العمل ليلا ونهارا لتحسين دخلهما، وحتى في ذروة أي أزمة مالية مرت بهما لم يكن أبدا ليعبس في وجهها أو ينسى شراء الزهور التي يعلم أنها تعشقها وتسعد بها. وهي من جانبها اجتهدت في تدبير أمور المنزل وادخار القروش رويدا رويدا من عمله وعملها حتى نجحت في إكمال ما ينقصهما من أثاث وتجهيزات بالمنزل، وكثيرا ما كانت تفاجئه بقطعة أثاث جديدة اشترتها أو جهاز منزلي لم يستطيعا اقتناءه في البداية.
وازدادت فرحتهما بقدوم طفليهما الواحد تلو الآخر، ورغم اضطرارها في هذه الظروف لترك العمل والتفرغ لتربية الطفلين، إلا أن زوجها لم يشك أبدا من ازدياد الأعباء عليه، ولم تتوان هي أيضا عن استقباله بعد عودته من العمل بكل حبها وحنانها تقديرا منها لكل ما يبذله، ومحاولة لإسعاده ومحو إرهاقه .
ومضت الأيام سريعا، والتحق الطفلان بالمدارس، وزوجها على حاله يتحمل الأعباء كلها وحده، وكلما عرضت عليه أن تعود لعملها لتساعده رفض أن يحملها فوق طاقتها، وأجابها بابتسامته التي طالما عشقتها: " يا زوجتي الحبيبة .. يكفي كل ما تبذليه من جهد لتربية أبنائنا وتدبير أمور حياتنا".
وخانتها دموعها، وهي تتذكر اكتشافها بالصدفة لإصابته بالمرض الخبيث وهو لا يزال في ريعان شبابه، بعد أن حاول كثيرا إخفاء حقيقة الأمر عنها...ذلك المرض اللعين الذي التهم جسد حبيبها وزوجها بلا رحمة، وفي أقل من عام، رغم أنها لم تدخر أي جهد أو مال لعلاجه، خاصة مع تدخل أهلها للمساعدة ، بعد ما رأوه منه طوال السنوات الماضية من شهامة وكرم أخلاق استحق معهما أن يكون زوجا لابنتهما.
ورحل الزوج الشاب، وبقيت هي كجثة متحركة... ذهبت روحها معه، ومع ذلك عليها أن تكمل المشوار، وأن تحمل المسئولية من بعده، وتكمل رسالته التي بدأها مع ابنيهما. وبالفعل عادت إلى العمل وتولت تربية الطفلين وحدها، ورفضت كل محاولات أهلها لإقناعها بالزواج مرة أخرى، فهي لم تنسه لحظة واحدة، ولم تنقطع يوما عن مناجاة صورته الكبيرة المعلقة في غرفتهما ومناقشة كل شئون الأسرة والأبناء معه، لتتخيل ماذا كان سيصبح رأيه في هذا الأمر أو ذاك، ولتشعر دائما بوجوده معها يدفئها ويحميها. كانت تتعجل الأيام حتى تكمل رسالتها على خير ما يرام. وبالفعل مضت السنوات وكبر الولدان، وشق كل منهما طريقه في الحياة، وبقيت هي وحدها في انتظار ساعة اللقاء... تستيقظ كل يوم متلهفة على قطع ورقة النتيجة المعلقة على الحائط والتي تنقص يوما آخر من أيام الانتظار، ثم تجلس في مقعدها الهزاز لتستمع إلى نفس الأغنية وتسرح في ذكرياتها مع حبيبها..
انتهت الأغنية، وعم الصمت من جديد، ومضت ساعات دون أن تتحرك السيدة التي أغلقت عينيها وارتسم السلام والاطمئنان على وجهها..
وبدا أن انتظارها قد انتهى.

السبت، 22 نوفمبر 2008

كوسة



- خطأ... هذا الأمر لم يكن ينبغي له أبدا أن يعالج هكذا!! من الذي أنجز هذا العمل؟؟!
وبمجرد سماعي لصوته الجهوري أدركت أني المقصود بالكلام ... ومن غيري؟!
- إنه أنا يا سيدي .. أنا الذي قمت بهذا العمل.
- أنت !! دائما أنت!! ... ألن تتعلم أبدا ؟؟؟ ستظل دائما ترتكب هذه الأخطاء الفادحة... لماذا لم تتبع ما علمتك إياه أيها الغبي؟؟!
- ولكن ... ولكن يا سيدي أنا لم أفعل سوى ما وجهتني سيادتك لفعله وما علمتني إياه عندما بدأت العمل هنا و...
قاطعني صوته الهادر وهو يصرخ :
- وأيضا تجادل وتكذب .. عندما أتحدث لا يجب أن ترد يا أفندي! .. ولا تنس أنك لا زلت في فترة الاختبار أي أنه يمكنني أن أكتب تقريرا يصي بعدم صلاحيتك للعمل كما يمكنني إحالتك للتحقيق و......
وصممت أذني عن باقي إسطوانة التقريع المعهودة التي أعرفها جيدا والتي لم أسمع سواها منذ استلمت عملي بهذه الجهة الحكومية المرموقة، والتي لا يعمل بها في الغالب إلا ذوي الوساطة والمعارف القوية جدا جدا، وإنما جاء عملي أنا بها من قبيل الصدفة البحتة أو كما يقولون (ربك لمّا يريد!!).
لقد تخرجت في إحدى كليات القمة منذ أكثر من أربع سنوات، وكنت وقتها أظن أن مؤهلي الجامعي وتقديري العالي سيعوضان فقري وإنعدام معارفي من ذوي الحيثية، وانطلقت أبحث بكل قوتي وقروشي القليلة، وتقدمت لكل الأعمال المناسبة لمؤهلي سواء كانت قطاع عام أو خاص وفوجئت بالنتيجة وهي الفشل الذريع ... وصُدمت بالطبع و لكني لم أيأس. وبدأت أبحث من جديد عن أي عمل عادي يمنحني راتبا يمكني من خلاله زيادة قدراتي بالحصول على دورات في الكمبيوتر واللغات، وحينما فشلت أيضا في ذلك ونفذت قروشي القليلة - مع علمي بعدم إمكانية أسرتي تحمل المزيد من الأعباء – قبلت العمل تارة كبائع في محل ملابس و أخرى كموظف أمن وثالثة كمسئول عن قسم البقالة بأحد محلات السوبر ماركت .....
لم توقفني نظرات الشفقة في عيون البعض، والشماتة في عيون البعض الآخر .... لم يوقفني تخلي خطيبتي عنى لأنها أشفقت على نفسها من طول المشوار ... تألمت وتعذبت ولكني لم أتراجع عن حلمي البسيط بأن أجد لي مكانا يليق بعلمي وثقافتي وإمكانياتي علي أرض وطني ...
وبالفعل أخذت في رفع قدراتي بالحصول على الدورات المختلفة، كما عدت لمواصلة الدراسة للحصول على الماجستير، وبجوار كل ذلك لم أتوقف عن البحث .. ولم تتغير النتيجة!!
وبالطبع كانت تنتابني كل فترة حالة من الاكتئاب واليأس والإحساس بالعجز، ولكني لم أكن أسمح لها بأن تدوم لأكثر من أيام معدودة، فالفقر لا يسمح لك عادة برفاهية الاحتجاج أكثر من ذلك!
ومضت الأيام و أنا أقابل فشلا تلو الآخر في الحصول على عمل لائق، ودون أن أنجح حتى في إدخار أي مبلغ من المال لأن كل ما أعمل به كنت أنفقه في البحث عن عمل، و الحصول علي الدورات التدريبية المختلفة بالإضافة إلى الاحتفاظ علي الأقل بطاقم مناسب من الثياب يضمن لي مظهرا لائقا عند التقدم لأي وظيفة.
ملخص القول أنه بعد مضي أربع سنوات كاملة على تخرجي قابلت بالصدفة أحد زملاء الدراسة القدامى والذي استطاع بإتصالاته الحصول علي وظيفة مرموقة بتلك الهيئة الحكومية المميزة والتي تتبع أعلى الجهات في الدولة، وأخبرني زميلي أنه توجد فرصة للحصول علي وظيفة مماثلة وأن إعلانا داخليا قد تم نشره بهذا الشأن، وأنني إذا أردت يمكنني التقدم وإن كانت فرصتي ضعيفة لأن من بين المتقدمين لهذه الوظيفة ابن فلان بك وابنة فلانة هانم و .....
وأذهلتني الأسماء التي سمعتها، ولكني لم أتردد فقد اعتدت أن أقوم بواجبي، وأترك الباقي علي الله .
وتقدمت للاختبار، وأنا أعلم مسبقا أنني لن أُقبل في هذه الوظيفة، ولكني اجتهدت في الحل علي مدى ثلاث ساعات هي مدة الاختبار ...
ومضت عدة شهور على هذه الواقعة، ثم فوجئت بزميلي المذكور يتصل بي تليفونيا ليخبرني بأنه قد تم اختياري للوظيفة!!
وظننت في البداية أنه يمزح و لكنه أقسم لي أنها الحقيقة قائلا:
- لا أدري كيف حدث هذا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ...ولكنك فزت بالوظيفة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!..مبـــارك يا رجل!‍‍‍!
وتهللت فرحا، وتقافزت في الهواء ... وأخذت أضحك تارة وأبكي تارة أخرى كالمجاذيب ... والتفت إلي أمي أغمرها بالقبلات .. لقد أنصفني الزمان بعد طول عناء ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!...
ولم تدم فرحتي طويلا، فمنذ اليوم الأول استقبلني رئيسي بابتسامته الصفراء التي لم أتفاءل بها أبدا، ومنذ ذلك الحين وهو يكيل لي الإهانات والتهديدات بفصلي وكتابة التقارير السوداء في حقي رغم اجتهادي الشديد في عملي الذي نلته بعد طول انتظار.
وكل مرة كنت أحاول تجنب غضبه بالتدقيق أكثر في عملي، والاستماع لملحوظاته وتنفيذها حتى وإن كنت أجدها أحيانا سخيفة، ولكن دون جدوى للأسف ‍‍‍‍‍!! ... فكل خطأ لابد وأن يكون خطأي وحدي ... وكل مشكلة لابد وأن أكون أنا سببها الرئيسي...
وبتدقيق الملاحظة والتقاط الكلام الذي يتناثر هنا وهناك علمت سبب معاملة رئيسي السيئة لي وهو أنني الوحيد في إدارته الذي يعمل بدون وساطة أو معرفة بشخصية مرموقة بينما الآخرين ليسوا كذلك والمثل الشهير يقول ( اللي له ضهر ....) تعلمون الباقي بالطبع!!
وهكذا فمديري العزيز لا يمكنه أن يلوم أي من زملائي على خطئه، كما لا يستطيع محادثتهم بطريقة غير لائقة، ولكن بالنسبة لي الأمر مختلف بالطبع!!
كما علمت أن الصدفة الغريبة التي جعلتني أفوز بالوظيفة هي أنهم قد خشوا تعييين ابن فلان بك فتغضب فلانة هانم، أو تعيين ابنة فلانة هانم فيغضب فلان بك. وهكذا اضطروا لاعتماد نتيجة الاختبار الحقيقية لأن المكان المتاح كان لموظف واحد فقط، وبهذا يحدث تعادل لكلا الطرفين ويتخيل كل منهما أن من حصل على الوظيفة جاء عن طريق سلطة أعلى منهما ‍‍‍!!
قد لا تصدقوني ... ولكنها الحقيقة العارية ... هكذا تسير الأمور في بلدنا صاحب الحضارة العريقة والتاريخ الطويل!!
والأدهى من ذلك أنه بعد مضي بضعة أشهر من الويل والعذاب رحمني الله من ذلك المدير الذي يكرهني بلا سبب عندما تم نقله خارج القاهرة لكي يحصل علي منصبه آخر يحمل سلطة ومعارف أعلى منه ...
والعجيب أنه قبل رحيله من المكتب لآخر مرة أخذ يهلل قائلا:
- لا يوجد عدل في هذا الزمان ... لقد أصبحت (الكوسة) هي التي تتحكم في كل شئ!!
ولكني أخشى ألا تكتمل فرحتي هذه المرة أيضا فقد سمعت أن مديري الجديد له ابن يحمل نفس مؤهلي، وأنه يتمنى لو يحصل ولده علي وظيفة في نفس إدارته .... وأدركت صحة مخاوفي عندما دخل المدير الجديد في الصباح ، وكان أول ما سأل عنه وهو يكشر عن أنيابه هو :
-أين المـــوظف الجدييييد!!

- ألم أقل لكم؟؟؟

السبت، 15 نوفمبر 2008

مدموزيل من فضلك

أدارت "نور" المفتاح في ثقب الباب بعد عودتها من العمل، ودلفت إلى شقتها الصغيرة في ذلك الحي الشعبي المزدحم، وزفرت في ضجر وهي تضيء الردهة وتدور بعينيها المرهقتين في المكان الخاوي من البشر، والذي كان حتى سنوات قليلة مضت يمتلئ ليلا ونهارا بالصياح المتبادل بين والديها المسنين اللذين كانا لا يكفان أبدا عن الشجار والمناكفة على طريقة مصارعة الديوك ولأتفه الأسباب!!
- "أين هما الآن؟؟" تساءلت "نور" بصوت مرتفع ثم أكملت في مرارة: " لقد ذهبا وتركاني وحدي".
خطت في بطء نحو أول مقعد صادفها، وألقت جسدها عليه كما لو كان بناء متهدما، وهي تحول نظراتها إلى صورة شقيقتها الصغرى المعلقة على الحائط وقالت – كعادتها في التفكير بصوت مرتفع –: تزوجت يا حبيبتي واندمجت في حياتك... ولم يبق لي سوى وحدتي وعملي، وذلك اللقب اللعين الذي التصق باسمي للأبد... لقب آنسة!!".
كانت "نور" متوسطة الجمال، لكنها رشيقة وجذابة، ورغم تجاوزها سن الثلاثين ببضعة أعوام، إلا إنها كانت تبدو في العشرينات من عمرها لرقتها وبساطة مظهرها وضآلة جسدها. لكن ما جدوى أن تبدو أصغر من عمرك الحقيقي بعشر سنوات إذا كنت في داخلك تشعر أن عمرك يتجاوز الألف عام!
وكان لقب "آنسة" يثير بداخلها كلما سمعته مشاعرا متباينة... ففي البداية تشعر بالرضا والثقة في نفسها لأنها تبدو شابة صغيرة يناديها من لا يعرفها بهذا اللقب... ثم لا تلبث أن تشعر بالألم والأسى لأنها لم تحظ أبدا بالفرصة التي تتمناها كل امرأة، وهي أن تصبح زوجة وأما.
لم تدر كم بقيت جالسة على الوضع نفسه... ربما ساعة أو أكثر، ثم لم تلبث أن نهضت في تثاقل لتغير ثيابها وتؤدي الصلاة، ثم وضعت بعض أطباق الطعام على المائدة وأشعلت التلفاز، وجلست أمامه لا تدر ماذا تشاهد أو ما مذاق تلك اللقيمات التي تضعها في فمها بشكل آلي.
ودق جرس الهاتف فتركت ما بيدها واندفعت إليه بلهفة مجيبة: " آلو... "حبيبة" ... أين أنت؟ لماذا لا تسألين عني؟ هل ستأتين لزيارتي في نهاية الأسبوع؟"
ولم تلبث علامات خيبة الأمل أن ارتسمت على وجهها عندما اعتذرت شقيقتها عن زيارتها هذا الأسبوع أيضا لأنها ستسافر في أجازة مع زوجها وأولادها. وبالطبع لم تفكر في دعوة "نور" لمرافقتهم ولو من باب المجاملة.
وعادت "نور" للجلوس أمام التلفاز والدموع تنهمر تلقائيا على وجهها... إنها ليست نادمة على قرارها بعدم الزواج... لقد كانت مقتنعة تماما في كل مرة رفضت فيها الزواج من إنسان غير مناسب لم ير فيها أي شيء يميزها عن غيرها من النساء، ولم يلق بالا لرفضها متوجها في اليوم التالي إلى غيرها... لم تقابل في حياتها إنسانا واحدا أحبها بحق، وحتى عندما أحبت لم تستطع قبول الزواج ممن أحبته بعد أن علمت أنه لم يتقدم لها إلا لينتقم من أخرى أصرت على رفضه!
لم يكن بمقدورها الزواج لمجرد الزواج، ولم تقتنع أبدا بالمثل القائل "ظل رجل ولا ظل حائط" والذي طبقته أختها مثل كثيرمن الفتيات للحاق بقطار الزواج، كما لم تقنعها أبدا تحليلات السادة الخبراء والمسئولين لأزمة ارتفاع عدد العوانس في مصر مسلّمين دائما بأن السبب هو مغالاة أهالي الفتيات في المهور والطلبات الأخرى كالأثاث والشبكة والمؤخر وخلافه... لم تقتنع يوما بكل ذلك، فهي على ثقة أن الأزمة في حقيقتها أزمة مشاعر... أزمة ثقة، وأن الكثيرات مثلها كن على استعداد للزواج بأبسط الإمكانات المادية إذا وجدن من يقدرهن ويحتوي مشاعرهن، ويرى ضعفهن واحتياجهن المختفيان خلف الشخصية القوية والتعليم العالي والوظيفة المرموقة.
وأفاقت من شرودها مرة أخرى بعد فترة على صوت بطل الفيلم الكوميدي القديم المذاع بإحدى القنوات وهو يقول للراحلة زينات صدقي: "اتفضلي اقعدي يا مدام" لتصرخ زينات في وجهه بحدة: "مدموزيل من فضلك!!".
وانطلقت من صدر "نور" ضحكة عالية ممزوجة بالدموع والمرارة.

السبت، 8 نوفمبر 2008

عن السعادة

الصديق محمد غالية صاحب مدونة (هل تبحث عن السعادة؟) يواصل ممارسة مهام مدونته، وألقى بمجموعة من الأسئلة عن السعادة طالبا من كل أصدقائه – وأنا منهم لحسن حظي – الإجابة عنها. والواقع أن الأسئلة رغم بساطتها الظاهرية، إلا أن الإجابة عنها ستحمل فلسفة كاملة للحياة. وعلى أية حال فلنبدأ الإجابة والله المستعان:
السؤال الأول: ماهى السعادة من وجهة نظرك؟
دعونا نفصل في البداية بين مفهومين: السعادة، والراحة. الراحة هي عامل قد يسهم في شعور الإنسان بالسعادة لكنها لا تكفي وحدها لتحقيقها، بينما السعادة قد تتحقق في بعض الأحيان والظروف دون توافر عوامل الراحة والرفاهية التي تحققها المادة مثلا، لكن غياب الراحة قد يمنع بعض الناس من الاستمتاع بهذه السعادة رغم وجودها. وبالنسبة لي السعادة هي إحساس الفرد بأنه كالزهرة المتفتحة في كامل بهائها وجمالها.. كالفراشة بهيجة الألوان وهي ترفرف بجناحيها في حرية. إحساس يرغب الإنسان دائما في الاستزادة منه والاستمتاع به حتى آخر قطرة، لكنه – كالزهرة والفراشة – قصير العمر يمضى بسرعة كالنسيم العليل الذي يهب فجأة وسط ليلة شديدة الحرارة، ولذلك يجب أن نعيش لحظته ونستمتع بها لأننا لا ندري بمنتهى البساطة إن كانت هناك لحظة أخرى أم لا.
السؤال الثانى: كيف تصل إلى السعادة؟
في رأيي أن الإنسان لا يدري تحديدا ما هو الطريق الذي يجب أن يسلكه ليصل إلى السعادة، ففي كثير من الأحيان نسعى بكل قوتنا خلف شيء ما أو أمر ما متصورين أن به سعادتنا، بينما الحقيقة أنه يحمل شقاءنا دون أن ندري... تماما كالفراشة التي تسعى بكامل طاقتها للوصول إلى النور، وتطارده بكل ما أوتيت من قوة ليكتمل وجودها وتتحقق ذاتها، وعندما تصل إليه تفاجأ أنه نار تحرقها وتقضي على آمالها. في ظني أننا قد نجد سعادتنا الحقيقية في شيء آخر غير هدفنا الأصلي. لذلك فأنا أرى أن الإنسان يجب أن ينظر دائما إلى ما في يده، وما استطاع بالفعل تحقيقه ويدرك ماهيته ويشعر بقيمته، وهنا سيسعد ويرضى، لكن إذا أمضى أيامه في البكاء على ما كان يظن أن به سعادته ولم يستطع يوما تحقيقه سيدخل في دائرة من الحسرة والتعاسة بينما السعادة الحقيقية بين يديه ولا يشعر بها.

السؤال الثالث: هل السعادة وهم أم أنها حلم صعب؟
هناك لحظات من السعادة يمكن لكل منا أن يشعر بها، وينتزعها انتزاعا من الأيام مهما كانت أحزانه، وصعوبات حياته، وعن نفسي أشعر بكل السعادة عند مساعدة الآخرين وإسعادهم... أو عندما أتطلع لوجه طفل بريء يبتسم لي دون أن يعرفني، أو يطبق بأصابعه الصغيرة الرائعة على كفي... يسعدني أيما سعادة التطلع إلى صديقي القمر، وهو بدر في السماء يرافق خطواتي أينما كنت كأنما يطمئن عليّ ويسهر على راحتي، ويمنحني الأمل في وجود النور حتى وإن كان بعيدا... يسعدني تقبيل كف أمي لأعبر لها عن القليل جدا من امتناني العميق لكل ما بذلته وتبذله من أجلي أنا وإخوتي، وأسعد بلا شك كلما قدرني الله على أداء صلاة الفجر في وقتها، حيث يغمرني إحساس لا يمكنني وصفه. كل هذه اللحظات وغيرها حقيقية ومتاحة لنا جميعا، وإن كان أغلبنا غافل عن إدراكها والاستمتاع بها، لانشغالنا الرهيب بمطاردة أهدافنا التي نؤمن أنها ستحقق لنا سعادة طويلة الأمد. إذن فالسعادة ليست وهم بجميع المقاييس، إنما هي نوعان: سعادة لحظية متاحة لنا جميعا، وسعادة طويلة الأمد هي بمثابة الحلم الصعب الذي علينا السعي لتحقيقه، وقد نصل أولا.
السؤال الرابع: هل السعادة طريق للنجاح؟ وضح؟
نعم، أرى أن السعادة طريق للنجاح، وليس العكس، لأن السعادة تبعث في أرواحنا طاقة لا حدود لها، وتمنحنا دافعا للحصول على المزيد منها، وإكمال أركانها بالنجاح في حياتنا، وعملنا وعلاقاتنا مع الآخرين، وهنا يولد النجاح المزيد من السعادة الموجودة بالفعل. بينما قد يقابلك النجاح وأنت من داخلك حزين ووحيد، فلا تشعر بقيمته، ولا تفرح به، وتفقد متعة تحقيق هدفك لعدم وجود من يشاركك فرحة هذا النجاح، ويمنحك الدافع لمواصلته وتحقيق المزيد منه.
السؤال الخامس: ماهى أكثر اللحظات التى شعرت فيها بالسعادة؟
من أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة بلا مبالغة كان يوم عيد ميلادي الذي مر منذ أيام، وكان ذلك بفضل أصدقاء مخلصين فاجأوني بحبهم واهتمامهم، واحتفلوا بي احتفالا لم أتوقعه، وإنما كنت في أمس الحاجة إليه، وفي أمس الحاجة للشعور بأن هناك من تذكرني وتحمل التعب والمشقة لرسم ابتسامة حقيقية على وجهي.. حقيقية لأنها لم تكن سوى إنعكاسا لابتسامة قلبي في هذه اللحظة... فشكرا لكم جميعا يا أصدقائي، ولا شك أنكم تعلمون كم أحبكم.
السؤال السادس:هل ممكن أن تحقق كل شىء؟
الكمال لله وحده، ولايمكن لإنسان مهما كان أن يحقق كل شيء، لكن في حياة كل منا هناك شيء ما إذا أنعم الله علينا وتحقق نشعر وقتها أننا قد حققنا كل شيء وملكنا الدنيا وما عليها.
السؤال السابع: هل تجعلك السعادة مقبلا على الحياة؟
بالتأكيد، وقد أوضحت ذلك في العلاقة بين السعادة والنجاح.
السؤال الثامن: هل أحسست يوما انك وصلت لقمة السعادة؟
ليس بعد، لكن أملي في الله لا ينقطع، وأعلم أن رجائي فيه لن يخيب.
السؤال التاسع: لماذا تمر أوقات السعادة بسرعة؟
حتى نشعر بقيمتها، ونقدرها حق قدرها، فمن طبيعة الإنسان الاعتياد على الأشياء والأوضاع إذا دام وجودها، ومع الاعتياد يشعر بالملل، ويفقد القدرة على التقدير، ومن هنا تمر السعادة أمامنا بسرعة حتى لا نمل منها ونفقد الاستمتاع بها، ونتعلم ألا نضيع لحظاتها القصيرة هباء.

السؤال العاشر: هل ترى السعادة فى التدين؟
الدين بالنسبة لي هو منهج كامل للحياة، ومجرد التزام الإنسان قدر الإمكان بأوامر ونواهي دينه في أسلوب حياته يمنحه شعورا داخليا بالرضى عن نفسه، حتى وإن كان يحيا في شقاء وألم، لأن بداخله الثقة في أن الله لن يتركه ولن يضيع عمله الطيب أبدا، وحتى إن لم يجد السعادة في الدنيا، فتدينه سيكون بلا شك طريقه للسعادة الأبدية في الجنة بإذن الله.
السؤال الحادى عشر: هل أنت متفائل وعندك أمل؟ وضح؟
هناك قول مأثور يقول "الأمل كلمة كتبها الله على جبين كل إنسان" وطالما آمنا بوجود الله سيظل الأمل بداخلنا باقيا كالشمعة التي يتوهج ضوءها لحظات، ويضعف لحظات أخرى، لكنه أبدا موجود. وهذا لا يمنع أنه في أحيان كثيرة تكرار الشعور بخيبة الأمل يجعل الإنسان يلجأ لحيلة دفاعية هي توقع الأسوأ لحماية النفس من الشعور المدمر الذي ينتج عن تعليق الأمل على شيء ما أو شخص ما ثم يتضح العكس، وعن نفسي أعترف أني منذ زمن أتبع هذه الحيلة لتخفيف الألم عند خيبة الأمل.
السؤال الثانى عشر: إذا شعرت بالحزن ماذا تفعل؟
إذا شعرت بالحزن أصمت وأميل للابتعاد عن الآخرين، حتى أتجنب أكثر سؤال أكرهه في حياتي: ماذا بك؟، وتتردد بداخلي الآية الكريمة: "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا".
السؤال الثالث عشر: هل يستمر معك الحزن فترة أم ينقضى فى الحال؟
للأسف يستمر الحزن معي لفترة، بل قد تتراكم الأحزان فوق بعضها البعض أحيانا، لكن الحياة تمضي، ومن حين لآخر تأتي ابتسامة لتمحو الأحزان، وتمنح القلب القدرة على مواصلة السير.
السؤال الرابع عشر: ما رأيك فى الأفراد المتشائمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم "إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" صدق الله العظيم

مع جزيل الشكر للصديق محمد غالية، وأرجو معذرته لتأخري في الرد.

السبت، 1 نوفمبر 2008

ليست زهرتي



منذ طفولتي وأنا أحمل عشقا خاصا للزهور، فكنت كلما مررت أمام بائع الزهور في طريقي إلى مدرستي الإبتدائية، أقف في انبهار كامل لأتأمل مدى جمال ورقة الزهور المختلفة الأنواع والأشكال والألوان، وكلا منها تحمل توقيع الخالق العظيم الذي لا يستطيع أبرع الفنانين سوى أن يقف عاجزا أمام روعة إبداعه.
ورغم اهتمامي بالزهور، إلا إنني لم اشتر زهرة واحدة طوال حياتي، ففي طفولتي كنت أفضل رؤية الزهور وهي في كامل رونقها عند البائع، وأرفض شراءها لأنني أعلم أني لن أستطيع رعايتها كما يجب وسرعان ما ستذبل ويذهب جمالها، ولن أحتمل حزني حينذاك!
وعندما كبرت، ظللت علي إصراري بعدم شراء الزهور- رغم ازدياد تعلقي بها-لأنها أصبحت تحمل لي دلالة أكبر وأعمق من مجرد رقتها وجمالها، وإبداع تكوينها...
أصبحت بالنسبة لي الرسالة التي انتظر بشوق ولهفة أن تصلني من الإنسان الذي يختاره قلبي ليخبرني بواسطتها عن كم الحب الذي يحمله لي.
وأصبحت نظراتي للزهور كلما مررت أمام بائعها في طريقي إلى الجامعة، تحمل إلي جانب الانبهار، اللهفة والشوق والأمل خاصة بعد أن التقيت بذلك الإنسان الذي طالما حلمت به، وهو زميلي بالجامعة.
لم يكن بيننا أي شيء سوى تبادل الحوارات العادية كأي زميلين، حتى أننى لم أكن أحادثه بمفردي، بل كنت دائماً أصطحب معي زميلتي المقربة لي لكي لا أشعر بالخجل من محادثته بفردي... مجرد مراقبته وهو يتحدث بكل خفة ظله وثقته بنفسه كانت تحمل لي كل المتعة!
و مع كل يوم يمر كانت العلاقة بين ثلاثتنا تتوطد أكثر وأكثر، وكان الأمل والشوق في نظرتي للزهور يزداد أكثر وأكثر!
وأصبح كل منا يعرف كل شئ عن الآخر، وكلما ازدادت معرفتي به، كلما ازدادت مشاعري نحوه ، حتى أصبح حبه يسري في كل قطرة من دمي، و ازداد شوقي لليوم الذي يصارحني فيه بمشاعره، وأحصل علي زهرتي التي لا أتمنى في عمري كله أكثر منها!
وفي أحد الأيام، وأنا في طريقي للكلية، وجدته متوقفا عند بائع الزهور، وكدت أتقافز من الفرح عندما اشترى من البائع زهرة حمراء لم أر في حياتي أجمل منها في تفتحها، والندى الذي يبرق علي أوراقها كقطرات من الفضة المتلألئة!
و تذكرت فجأة أن اليوم هو عيد ميلادي!
إذن لابد أنه قد اشترى هذه الوردة ليقدمها لي في عيد ميلادي.. وامتلأ كياني كله بالسرور حتى لقد أحسست أنني أكاد أطير في السحاب من فرط السعادة!
وكان من الطبيعي أن يسبقني هو إلي الكلية، بعد أن تباطأت خطواتي كثيراً لأني كنت غارقة في أحلامي!
وعندما وصلت حاولت التحكم في مشاعري وانفعالاتي قدر الإمكان، وتوجهت إلى زميلتي الحبيبة لألقي عليها تحية الصباح وأنا أحمل علي وجهي ابتسامة أخبرتني هي أنها تضفي علي وجهي بهاءً و ضياءً لم تر لهما مثيلاً.
وقبل أن تبدأ في استجوابي عن سبب سعادتي البالغة- بالخبث الأنثوي المعهود- لمحته بطرف عيني يتجه إلينا وهو يحمل زهرتي بين يديه، واحمر وجهي خجلا حتى بات ينافس احمرار الزهرة، وأنا أراه يتقدم منا بخطوات ثابتة، وهو يمد يده بالزهرة ...
وفجأة.. تحول خجلي إلي دهشة واستنكار، وتراجعت خطوتين إلي الوراء من فرط المفاجأة، عندما مد يده بالزهرة إلى صديقتي وقال لها و عيناه تحملان كل الحب:
- كل عام و أنت بخير .. اليوم هو عيد الحب !
فتصاعدت حمرة الخجل إلي وجهها، وقالت وهي تتناول منه الزهرة:
- كل عام و أنت بخير.. أشكرك . إنها أجمل زهرة رأيتها في حياتي!
ثم همست له:
- لقد أحرجتني أمام صديقتي.
فوجدته يلتفت ناحيتي قائلاً، وهو يحمل علي شفتيه ابتسامته التي طالما عشقتها:
- إنها ليست غريبة ، لن نخفي عنها شيئا...
ثم وجه إليّ الحديث:
- إنني أحب صديقتك هذه ، وسأتقدم لخطبتها في الإجازة الصيفية إن شاء الله.
فرددت، وأنا لا أدري كيف استطعت إخراج الكلمات:
- ألف مبروك! .. إنني في غاية السعادة من أجلكما!
وانسحبت، وقد تذكرت أن تاريخ ميلادي هو نفسه يوم عيد الحب!
وأدركت أخيرا ما سر ارتباطي بالزهور، ففي هذه اللحظة كنت زهرة متفتحة مليئة بالبهجة، قطفتها يد قاسية لا لتستمتع برحيقها، ولكن لتسحقها بمنتهى القسوة تاركة إياها وقد تحولت لأوراق متناثرة علي الأرض، وقلب محطم!
كما أدركت أيضا أن تلك الزهرة الجميلة ....
ليست زهرتي!!

السبت، 25 أكتوبر 2008

الحائرتان


وقفت "رنا" وشقيقتها الصغرى "شمس" على قارعة الطريق، وقد اعترتهما الحيرة وظهر الخوف بأقصى درجاته على وجهيهما الجميلين البريئين.
كانت الفتاتان تقفان عند مفترق طرق يتفرع لثلاثة اتجاهات مختلفة، بينما ينتشر الضباب حولهما بشكل يعوق الرؤية ويسبب لهما الرعب والفزع.
- "أي من هذه الطرق نتخذ يا "رنا"؟؟!!" تساءلت الصغيرة "شمس" في حيرة وخوف.
أحاطت "رنا" كتفي شقيقتها بذراعها في حنان، وحاولت أن تبث في أعماقها ثقة تفتقر هي نفسها إليها فقالت:
-" لا تخافي يا حبيبتي... سنهتدي للطريق الصحيح إن شاء الله، وإذا اختلط علينا الأمر يمكننا دائما أن نعود من حيث أتينا"
والتفتت خلفها وهي تشير إلى الطريق الذي جاءا منه معا، لتشهق في فزع، وتضم أختها إليها أكثر وأكثر...
- " لقد ... لقد اختفى الطريق يا "رنا"!! اختفى الطريق الذي أتينا منه، وارتفع خلفنا هذا الحائط المرعب"
صرخت "شمس" بهذه الكلمات وهي تنكمش ملتصقة بجسد شقيقتها الكبرى.
صمتت "رنا" قليلا وهي لا تدري ماذا تقول لتهدئ من روع "شمس"، ثم لم تلبث أن حاولت التماسك، لتبتسم في وجهها قائلة:
- "اهدئي يا "شمس" أنا معك لاتخش شيئا، ولنعتبرها لعبة مسلية، ولغز علينا حله لنفوز بجائزة قيمة... ما رأيك؟ هيا سنحاول معرفة أي هذه الطرق هو الذي يجب أن نسلكه"
وأمسكت بيدها في رفق وحنان، وهي تمسح بيدها الأخرى دموع الخوف التي سالت على وجنتيها الصغيرتين.
- "حسنا يا "رنا" لكن أرجوك لا تتركيني وحدي"
وقبل أن تجيبها "رنا" من جديد بعبارة مطمئنة انبعث عن يمينهما صوت غليظ يقول:
- "تفضلا من هنا أيتها الأختين الفاضلتين... مكانكما هنا حيث طريق الخلاص والإيمان"
انطلقت صيحة فزع من حلق "شمس" والتصقت أكثر وأكثر بجسد "رنا" التي حاولت أن تسبر بعينيها حجب الضباب الذي يخيم على كل شيء، وميزت بصعوبة كهلا يقف في الطريق الأيمن... لم تتبين شيئا من ملامحه سوى لحية سوداء طويلة تتخللها شعيرات بيضاء تلتهم أغلب وجهه، ويبدو في منتصفها شق عرضي كما لو كان فم يبتسم.
وفجأة برز كف الرجل ممتدا من وسط الضباب، وهو يقول لهما: "معنا ستعيشان في أمان... سترتديان ثياب العفاف والطهر مثل أخواتكما هنا" وأشار إلى ما بدا ككيان أسود كبير ارتعدت كلا من الفتاتين عندما وقعت عيونهما عليه، ثم لم تلبث "رنا" أن ميزت في هذا الكيان عددا من الأفراد تغطيهم ثياب سوداء من رؤسهم حتى أخمص أقدامهم، وغمغمت في دهشة وخوف: "أهؤلاء هم الأخوات؟!"
أجابها الرجل في حماس:"نعم... يرتدين ما يسترهن عن عيون الفضوليين، ولا يغادرن بيوتهن إلا للضرورة ومع محرم محافظة عليهن من شرور المجتمع الكافر وفتنته، ونختار لهن أزواجا فاضلين يحافظون عليهن ويرعون شئونهن... أقدما ولا تخشيا شيئا... أقدما .. أقدما!"
انبعث فجأة عن يسار الشقيقتين صوت آخر ناعم ورقيق يقول:
- "بل هنا مكانكما... صدقاني. هنا الحياة تفتح لكما ذراعيها عن آخرها... حياة تليق بفتاتين جميلتين مثلكما من حقهما الاستمتاع بشبابهما وتجرع مباهج الدنيا حتى آخر قطرة"
تطلعت الفتاتان في دهشة وفضول إلى مصدر الصوت، وإذا بهما تميزان من بين الضباب ملامح شاب وسيم أنيق حليق يجمع في كلماته بين لغتين أو ثلاث في مزيج مدهش، وأكمل الشاب وهو يشير إلى ما خلفه:
- "هنا يا بنات ستعيشان حياة الانطلاق والحرية... تخرجان كما تريدان وتقضيان أوقاتا ممتعة هنا وهناك... تلبسان أحدث صيحات الموضة مهما بلغت غرابتها... ترقصان وتمرحان دون رقيب أو حسيب، تصادقان من الشباب ما يروق لكما، أو تتركانه وقتما تريدان. ليس من حق أي كائن من كان أن يتدخل في شئونكما، ولا يوجد أي نظام في الكون عليكما الالتزام به، فما خلقت القواعد إلا لنكسرها... أليس كذلك؟!"
- " ولم ينتظر منهما إجابة، وإنما مد كفه هو الآخر إليهما وهو يقول: "Come on, girls… Be cool!!"
ومن خلفه وسط الضباب تبينت "رنا" و"شمس" ما بدا كأجساد فتيات نصفها مكشوف – أو أكثر قليلا – بينما تتطاير شعورهن الغجرية الشقراء والسوداء والبنية هنا وهناك، مع ارتفاع أصوات المرح في المكان.
وابتسمت "شمس" لأول مرة وهي تجذب "رنا" من ثوبها قائلة:
"هيا يا "رنا"! سنذهب مع هذا الشاب اللطيف، ونحيا في سعادة مع أصدقائه"
جذبتها "رنا" إليها في حذر، وهي تقول:
- "انتظري يا حبيبتي ولا تتسرعي، وتذكري دائما أن ليس كل ما يلمع ذهبا، لكني يجب أن أعترف أن هذا الطريق يبدو جذابا للغاية"
صرخ الكهل ذو اللحية عن يمينها:
-" لا ... لا يا بنيتي... بل هنا مكانكما... لا تسيرا في طريق الضلال والعياذ بالله، وترفضا طريق الهدى"
صرخت فيه "رنا" بدورها:
- " وما أدراني أيها الشيخ أن ما تدعوني إليه هو الطريق الصحيح... إنه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة"
أجابها:"لا تقولي ذلك، بل هو طريقك للحياة الأبدية والفوز بجوائز الإيمان، فما متاع الدنيا إلا إلى زوال"
ترددت "رنا" وهي تدير عينيها في حيرة بين اليمين واليسار، وتمسك بكف "شمس" المستسلمة للقرار الذي ستتخذه أختها أيا كان.
كنت أراقب كل هذا المشهد من بعيد، من موقعي على الطريق الثالث الموجود في المنتصف، ويمتد مباشرة أمام الأختين الحائرتين وكل ما عليهما هو السير للأمام في خط مستقيم حتى تسلكاه.
كنت أراقب وأنا أصرخ فيهما:
-"انتظرا.. لا تسمعا كلامهما، ولا تتخذا أيا من الطريقين... ليست الجنة مع ذلك الكهل المدع، فلم يخلقنا الله لننعزل عن الحياة، ونسدل ستارا أسودا على عقولنا وأجسادنا، ونحيا بلا حول ولا قوة يفعل بنا الآخرون ما يحلو لهم. وليست الحياة مع ذلك الشاب الفرح بنفسه، فالحرية المطلقة دون الاتزام بأي معايير أو قواعد لن تؤدي إلا إلى الفوضى، ولم يخلقنا الله عز وجل لنحيا في فوضى، بل لنعبده ونعمر الأرض. لا تلتفتا يمينا أو يسارا. فقط امضيا للأمام في طريق مستقيم... تعلما واعملا واختلطا بالناس وتعرفا على أفكارهم.. اختارا من الحياة ما يناسبكما، ولكن اعرفا أولا من أنتما، وبماذا تؤمنان والتزما بذلك ستعبرا بإذن الله لبر الأمان"
صرخت بهذه الكلمات بكل قوتي، لكني اكتشفت أن صوتي لم يتجاوز حلقي، فقد أبت شفتاي بكل إصرار أن تنفتحا وتسمحا لكلماتي بالعبور لتجد طريقها لآذان الفتاتين.
واستيقظت فجأة من نومي، وأدركت أنه كان حلما، لكني لسبب ما شعرت أنه ليس مجرد حلم، حتى بعد استيقاظي واندماجي في روتين حياتي اليومية.
وظل السؤال يتردد بداخلي:
- " يا ترى أي الطرق اتخذت الأختين؟؟!!"
ودعوت الله من قلبي أن يحفظهما ويصونهما من كل شر.

*
إهداء :إلى أجمل فتاتين لم ترهما عيناي، وإنما رأيتهما بقلبي.

السبت، 18 أكتوبر 2008

حسابات الحب




فتحت "رشيدة" بريدها الإليكتروني في لهفة باحثة عن الرسالة التي ترجو وصولها منذ أيام، وبمجرد أن رأتها في صندوق الوارد تضاربت مشاعرها بين الرغبة في قراءتها فورا، وبين الخوف مما قد تحتويه، ولم تلبث أن نقرت عليها مرتين في تردد، لتنفتح:


عزيزتي "رشيدة"

نزولا على رغبتك الملحة في الحصول على رد على كل الرسائل التي كتبتها لي بعد لقائنا الأخيرلإقناعي باستمرار صداقتنا، ها أنا ذا أكتب إليك رغم أن الصمت يكون أبلغ كثيرا من الكلام في مثل هذه الظروف لأن رد المجروح يكون في أغلب الأحيان قاسيا قدر جرحه.
دعيني أقول أن رد فعلك لم يفاجئني مطلقا بل كنت أتوقعه ومنذ زمن، يمكنك القول أن أسلوبك المنظم لدرجة مرعبة في تحليل كل شيء، ووضع نسب محددة للمكسب والخسارة، والجدوى وعدم الجدوى والالتزام بخطوات مدروسة في كل أمور حياتك، حتى إنك تريدين اختيار الوقت المناسب للإحساس بالحب بعد أن تحققي قدرا كبيرا من طموحاتك العملية، كل ذلك جعلني أعرف الإجابة مسبقا، وإن احتجت ايضا لسماعها منك!!!
للأسف نسيتِ أن هناك أشياء في الحياة لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تحديدها بمواعيد أو إخضاعها للحسابات، ولا تظني أنه إذا جاءك الحب اليوم وركلته بقدميك، أنك ستجدينه يوم أن تكوني في أمس الحاجة اليه، وعندما تكوني قد حققت كل طموحاتك التي تسعين خلفها اولاً.
قد تتساءلين: ما الذي جعلني أواجهك و أطالبك بإجابة مباشرة رغم علمي المسبق بها؟
يمكنك القول أن مشاعري نحوك ونسبة ضئيلة من الأمل بداخلي دفعتني للتعلق بالوهم والسعي وراء الحصول على إجابة صريحة تنهي حالة الشك الموجودة بداخلي: أتشعر بي أم لا؟ ماذا أكون بالنسبة لها؟... وغيرها من الأسئلة التي ظلت ترتع بداخلي طوال مدة صداقتنا، وكان لابد أن أحسم أمري وأواجهك بتساؤلاتي...
و كعادتك حللت الأمر بشكل غاية في النظام والتنسيق وكان ردك عبارة عن تقرير اتضح منه أنك لم تشعري بي قط إلا كصديق وأخ، وأن لقاءاتنا المباشرة لم تكن عديدة بالشكل الكافي لنقترب أكثر، نظرا لظروف عملي التي تتطلب مني السفر خارج المدينة لفترات طويلة، ولذا تقتصر وسيلة الاتصال بيننا على رسائل البريد الإليكتروني التي نتبادلها. نفس منطق البعيد عن العين بعيد عن القلب الذي لم أبغض في حياتي كما أبغضه.
عن نفسي أؤمن يا عزيزتي أن القلب لا يحتاج للرؤية أو السمع كي يحب، فقد تعاشرين إنسانا طيلة عمرك ترينه وتسمعين صوته كل يوم دون أن تشعري به للحظة، في حين قد تستكين روحك لاخر وتعشقينه دون أن ترينه سوى مرات معدودة ، ودون أن يفرق معك ما شكله؟ ماذا يعمل وأين يعيش؟ فقد أصبح جزءا منك وتوحدت روحك بروحه .
دعينا من كل ذلك فكل الكلمات لن تغير من الواقع شيئا الآن .. لقد انسقت خلف إحساسي رغم إدراكي عدم وجود مقابل له لديك، وكنت أخشى دائما أن أعلن لك عن مشاعري لعلمي أن ذلك سيجعلني أخسر كل شيء: الحب الذي طالما تمنيته، والصديقة الوحيدة لي، الإنسانة التي أطلعتها على كل خبايا نفسي بشكل لم أكن أبدا لأفعله مع أي شخص أتعامل معه مباشرة في الحياة اليومية، الإنسانة التي ظننتها مختلفة، أو حبي صور لي ذلك، وجعلني أكذب عقلي!
والآن ... أتدرين لماذا لا يمكن لصداقتنا أن تستمر؟ لأن المشاعر الإنسانية يا عزيزتي لا يمكن فصلها، ولأن الصداقة بين الرجل والمرأة إذا وصلت لهذه الدرجة من الشفافية والقوة التي وصلنا إليها، فإنها ترتقي وتتطور لتصبح جزءا من علاقة أكبر هي الضامن الوحيد لاستمرار هذه الصداقة.
أما إذا تجمدت من أحد الطرفين وظلت على وضعها فإن ذلك سيخلق عدم توازن فظيع كفيل بتدمير الأمر كله من أساسه، دعيني أسألك : الآن وقد علمت باهتمامي الخاص بك هل يمكنك أن تصارحيني كصديق إذا قابلت يوما من ملك قلبك؟ بالطبع لا، لأن حساسية الموقف ستمنع ذلك، بل السؤال الأبسط من ذلك هل يمكن لصداقتنا أن تستمر إذا ارتبط كل منا بآخر؟ أعتقد أنه لم يخلق بعد الرجل أو المرأة اللذان يقبلان أن يشاركهما أحد في اهتمام ومشاعر رفيق حياتهما.
والأهم من كل ذلك هو أنني لست علي استعداد لإضاعة أعوام أخرى من عمري على أمل أن يشعر بي قلب لا يملك البصيرة الكافية ليرى ويشعر ويفهم، وإلا لكان قد فعل منذ البداية. يجب عليّ أن أتعلم النسيان وأن أنظر حولي ربما كانت هناك من تستحق حبي الذي لم يجد تقديرا لديك.
أتركك الآن في رعاية الله، و صدقيني لا يوجد بداخلي أي ضغينة نحوك، كل ما أرجوه هو أن تتفهمي الموقف الذي يحتم عليّ الابتعاد.
الوداع

عصام
تجمدت "رشيدة" في مكانها بعد أن انتهت من قراءة الرسالة وأخذت تفكر قليلا، وهي تشعر أنها قد خسرت صديقها الوحيد المخلص، والإنسان الذي أحبها حبا كبيرا كما علمت، واعترفت لنفسها أنها تحمل له أيضا بعض المشاعر الجميلة، ثم لم يلبث طموحها أن تغلب على ضعفها، وعلا صوته ليؤكد لها أن مستقبلها العملي وأحلامها بأن تصبح أصغر مديرة في محل عملها، أهم كثيرا في هذه المرحلة من الحب والزواج اللذين سيعطلانها ولا شك عن تحقيق أهدافها.
وأغلقت بريدها الإليكتروني ونهضت في حسم، لتعلن انتصار الحسابات... على الحب.

الأحد، 12 أكتوبر 2008

أنا وهو ... دون أن أدري

تخيلوا إني اكتشفت بالصدفة من كام يوم بس إن فيه مقال اتنشر في مجلة لغة العصر في عدد 27 سبتمبر 2005، ونشر به اسمي مع جزء كبير من قصة كنت قد أرسلتها للمجلة للاشتراك في مسابقة كتابة قصة حول فوائد الكمبيوتر وكيف يستخدمه المصريون لتغيير حياتهم للأفضل؟
آه والله رأيت المقال بعد 3 سنوات من نشره، ولينك موقع المجلة وصفحة المقال المقصود أهه لمن يحب الإطلاع

طبعا لو كنت علمت في حينه بالموضوع كنت حأفرح أكتر من كده، بس عموما أنا مبسوطة، وحأنشر هنا بقى القصة كاملة

أنــــــا .... وهـــــو!

************

كانت أول علاقة مباشرة لي معه عندما أصبحت في السنة النهائية بكليتي النظرية التي تحتل موقعا مميزا بين كليات القمة، قبلها كانت كل علاقتي به نظرية محضة من خلال قراءاتي أو مشاهدتي للأفلام الأجنبية التي أعشقها منذ طفولتي والتي كان هو يلعب دائما دورا رئيسيا بها.
وهكذا كانت أول مواجهة صريحة بيننا عام 1999 : أنا وهو ... الكمبيوتر !!!، وذلك لأن مادة الكمبيوتر كانت إحدى المواد الأساسية في منهج العام النهائي بالكلية ، وكانت مقررة علي جميع الأقسام.
وجلست أمامه مبهورة ... مشدوهة ... أخشى مجرد أن تمسه أصابعي لأني كنت أسمع دائما عن مدى حساسية كل زر من أزراره..
كنت من أسرة متوسطة قضيت سنوات تعليمي كلها في المدارس الحكومية حيث لا تشمل الأنشطة المدرسية سوى التدبير المنزلي والرسم والأشغال اليدوية، والتي كان ينتهي بها الحال في أغلب الوقت إلي أن تحول حصصها لصالح المقرر الدراسي لأن المناهج ضخمة والوقت لا يكفي ... ولكني علمت بعد ذلك أن الكمبيوتر بدأ يغزو المدارس الحكومية أيضا وأصبحت هناك معامل للكمبيوتر وحصص مخصصة لتدريسه، بل أن ابن أخي الصغير درس الكمبيوتر وهو في عامه الأول بالحضانه وأصبح بمقدوره فتح الجهاز وإغلاقه بمفرده واستخدام برنامج الرسام وبعض الالعاب البسيطة علي الجهاز ... حقا إن كل شئ يتطور بسرعة الصاروخ!
وفي تلك الفترة لم تكن فكرة اقتناء جهاز كمبيوتر قد انتشرت بعد في المجتمع المصري كما هي الآن خصوصا بعد إطلاق مبادرة حاسب لكل بيت والتي سهلت الأمر علي الأسر المصرية البسيطة التي ترغب في شراء جهاز كمبيوتر دون تحمل المزيد من الأعباء، أما في ذلك الحين كان اقتناؤه يقتصر فقط علي بعض أبناءالأسر الثرية.
لن أطيل عليكم كانت أول مواجهة بيني وبين هذا الجهاز الرهيب فاشلة تماما .. كانت الأجهزة الموجودة في معمل الكلية قديمة نسبيا .. بطيئة الاستجابة، ولم يكن عددها يكفي لعدد الطلبة والطالبات، مما جعل كل طالبين أو ثلاثة يجتمعون أمام جهاز واحد ... وطبعا إذا كان لأحد هؤلاء الطلبة خبرة سابقة في التعامل مع الجهاز تكون له السيطرة على زميله أو زميليه الآخرين بحيث تتحرك أصابعه هو بخفة فوق أزرار الجهاز بينما يشعر الآخران بالعجز والفشل لعدم استطاعتهما ملاحقة زميلهما أو فهم ما يحدث ... وهذا بالضبط ما حدث معي وكانت النتيجة عند نهاية العام الدراسي هي عدم استفادتي نهائيا مما تعلمته لعدم وجود الفرصة لكي أحصل علي تدريب عملي علي الجهاز .. أما زملائي الآخرين فمنهم من يمتلك جهازا خاصا في منزله يتدرب عليه، ومنهم من يذهب إلي أحد مراكز الكمبيوتر للحصول علي فرصة التدريب العملي على أحد الأجهزة هناك، وحيث أن كلا من الحلين لم يتوفر لي لضعف إمكاناتي المادية، لم أحقق أبدا النتيجة المرجوة حتى انني نجحت أيامها في مادة الكمبيوتر – ولأول وآخر مرة في حياتي – بمساعدة المراقبة على الإمتحان والتي أشفقت علي وساعدتني علي اجتياز الاختبار العملي .. وقد سبب لي هذا عندئذ ما يشبه العقدة النفسية، وأثار بداخلي تحديا لا حدود له بضرورة أن أقهر فشلي أمام هذا الجهاز العبقري الذي كنت أدرك أن له فوائدا عظيمة لن أتمتع بها إلا إذا وصلت لصيغة التفاهم المطلوبة معه.
وتخرجت من الجامعة بتفوق وتقدير عال .. ثم دخلت في دوامة البحث عن عمل، وبدأت أدرك أكثر وأكثر أهمية إجادة العمل علي الكمبيوتر والتي تبدأ من تقديم السيرة الذاتية CV المعدة بعناية علي برنامج الـWORD بشكل يظهر مهارة صاحبها في استخدام الكمبيوتر وحتى إجادة التعامل مع التطبيقات الأخرى المختلفة كالطباعة والكتابة بسرعة مناسبة بالعربية والإنجليزية، وإجادة استخدام الماسح الضوئي (الاسكانر) ، وبرامج مثل المجموعة المكتبية (اكسل – أكسس – بور بوينت) بالأضافة إلي الإنترنت ... كان سوق العمل يحتاج بشدة إلي هذه المهارات إلي جانب اللغات، ولكن المؤهل العالي وحده أصبح مجرد ورقة عديمة القيمة، والكثير جدا من حملتها لا يجدون لهم مكانا سوى على المقاهي.
وهكذا كانت النتيجة هي فشلي في الحصول علي عمل مناسب رغم إجادتي للغتين أجنبيتين .. ولم أكن بالطبع أمتلك المال اللازم للحصول على دورات في الكمبيوتر. ولم أيأس ... بل التحقت مؤقتا بعمل عادي متواضع لمدة ستة أشهر تقريبا بهدف توفير بعض المال .. وقد كان ...ولكن التحاقي بهذه الدورات اضطرني لترك العمل الذي كان يمتد علي مدار 14 ساعة يوميا تقريبا بينما كانت الكورسات تحتاج إلي التركيز والتفرغ .
ورغم ذلك أصبت بالإحباط مرة أخرى لأن تلك الكورسات لم تكن كافية لسببين : أولهما هو أن مستواها لم يكن متقدما وانما كانت تكفي لإكتساب المهارات الأساسية فقط، كما أن المبلغ المتوفر معي في ذلك الحين لم يمنحني الفرصة لتعلم أكثر من الويندوز و الورد، أما السبب الثاني فهو انني لم أحصل علي عمل فور انتهائي من هذه الدورات مما أدى إلي نسياني تدريجيا لما تعلمته فيها بسبب عدم الممارسة.
وكأن الله أراد أن يكافئني علي اجتهادي و إصراري ، فلم تمض عدة أشهر إلا وتوفرت لي فرصة ذهبية عندما فزت بمنحة مجانية لمدة ثلاثة أشهر من معهد ITI التابع لمجلس الوزراء و مقره بالهرم، واشتملت هذه المنحة على دراسة الكمبيوتر (كل برامج الأوفيس) إلى جانب الانترنت والشبكات بشكل متقدم، بالإضافة إلي إتقان مهارات السكرتارية التنفيذية المختلفة، والترجمة من وإلى الإنجليزية، ومهارات أخرى عديدة..
وكانت هذه المنحة نقلة حقيقية في حياتي ... فقد كانت الدراسة مجانية تماما وتبدأ من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء يوميا، بمدرسين على أعلى مستوى، وجهاز مستقل لكل طالب (و كان عددنا في هذه الدورة لا يتجاوز 12 طالبا وطالبة هم كل من نجح في اجتياز اختبارات القبول).
وبدأت أتعامل مع الكمبيوتر بمنظور جديد ... منظور الإجادة والاحتراف واكتساب خبرات عديدة ومفيدة. وكانت إدارة المعهد تسمح لنا أيضا بالبقاء بعد الساعة الخامسة لممارسة التدريب العملي لمن يرغب في ذلك. وكانت هذه الفترة من أسعد أيام حياتي، وأحسست خلالها أني قد انتقلت فجأة إلى عالم آخر ... عالم ساحر من التكنولوجيا والخبرة و التقدم.
وبقرب انتهاء الشهور الثلاثة بدأ احساس من الحزن ينهش قلبي .. كانت هناك حالة من الألفة والاعتياد قد نشأت بيني وبين جهازي الذي تعلمت من خلاله الكثير، واستطعت عبره أن أسبر أغوار هذا العالم الغامض المثير ... عالم الكمبيوتر و الانترنت، ولكن لكل شئ نهاية!!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.
وبدأت ابحث عن عمل من منظور جديد : سيرتي الذاتية معدة علي الكمبيوتر باحتراف وبثلاث لغات مختلفة، وتحمل صورتي الشخصية التي أدخلتها علي الكمبيوتر باستخدام الماسح الضوئي .... التقديم للوظائف المختلفة أصبح عن طريق البريد الألكتروني ... وفي البداية لم أتجه إلي العمل كسكرتيرة تنفيذية لارتباطي في ذلك الوقت بالدراسة حيث التحقت بالدراسات العليا في كليتي لمدة عامين. ولكن ظل للكمبيوتر دورا هاما جدا في حياتي في تلك الفترة حيث بدأت احترف تدريس اللغة الإيطالية، وكنت أعد المذكرات والملخصات للطلبة على الكمبيوتر. في البداية كنت أقوم بذلك عن طريق تأجير جهاز بأحد مراكز الكمبيوتر لعدد من الساعات، وشيئا فشيئا أخذت ادخر كل قرش أربحه، وساعدتني شقيقتي أيضا بمبلغ كانت تدخره حتى استطعت شراء جهاز كمبيوتر خاص بي مكنني من إعداد الملخصات للطلبة بصورة لائقة كما مكنني أيضا من احتراف الترجمة حيث كنت أتلقى النص المطلوب ترجمته عبر البريد الالكتروني، ثم أعيد إرساله بعد ترجمته أيضا بنفس الوسيلة ... وبالإضافة لذلك قمت علي مدار هذين العامين بإعداد أكثر من سبعة أبحاث علمية متخصصة استعنت فيها بالانترنت للحصول علي المراجع المطلوبة و المادة العلمية اللازمة.
وبعد حصولي على دبلومة الدراسات العليا عدت للبحث عن عمل ثابت .. وأهلتني إجادتي للغات والكمبيوتر بشكل محترف للحصول على وظيفة مديرة مكتب المدير العام ومترجمة اللغة الإيطالية بإحدى الشركات الناجحة جدا في مجالها . ومضت بضعة أعوام منذ التحاقي بهذه الشركة استفدت خلالها من كل مهارات الحاسب الآلي التي تعلمتها منذ تخرجي من الجامعة، وأعلم أنه لا يزال أمامي الكثير أيضا لأتعلمه.
وعلى المستوى الشخصي أيضا كان للكمبيوتر أهمية كبرى في حياة أسرتي حيث لا أنسى أبدا دوره في حياة شقيقتي الصغرى، بعد أن سهل عليٌ وجوده في المنزل تعليمها مهاراته المختلفة باحتراف قبل حتى تخرجها من الجامعة، مما وفر عليها بعد ذلك الكثير من المشقة ومكنها من الحصول علي وظيفة جيدة بإحدى الشركات قبل حتى ظهور نتيجة الليسانس وحصولها علي المؤهل العالي.
ويقوم الكمبيوتر بالنسبة لي بعمل الكثير من الأجهزة في وقت واحد مثل المسجل والفيديو و البلاي ستاشن، بالإضافة إلي كل تطبيقات الكمبيوتر الأخرى مثل الطباعة وتخزين الصور الفوتوغرافية. وهكذا تجد عندي مكتبة من الـ CDs تحتوي علي أجمل الألبومات الغنائية العربية والأجنبية، والأفلام، كما قمت أيضا بتخزين كل صورنا العائلية الخاصة التي تحمل أجمل الذكريات علي جهازي المنزلي عن طريق الماسح الضوئي، وبدأت منذ فترة وجيزة أيضا في تعلم برنامج الفوتو شوب لكي أتمكن من عمل التأثيرات المختلفة علي الصور.
وبالنسبة للانترنت فهي تقوم بالنسبة لي بدورا رئيسيا في تسهيل إقامة علاقات صداقة مع أناس من مختلف أنحاء العالم بأبسط التكاليف عن طريق (التشات) والبريد الإلكتروني، وبهذا استطعت اكتساب صداقات جديدة، واستطعت تقوية اللغات الأجنبية التي أجيدها.
مهما عددت من الفوائد التي عمت عليٌ من استخدام هذا الجهاز السحري فلن أفيه حقه سواء علي المستوى العملي أو الشخصي حيث كان له دورا رئيسيا في تغيير حياتي بالكامل إلى الأفضل، وأصبح صديقي الذي لا أمل أبدا من صحبته، وهكذا تجدنا دائما معا ... أنــا .... وهــو ‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

أسئلة وأجوبة



الصديقة la rose طلبت مني الإجابة على الأسئلة التالية:
أول كتاب قرأته باستثناء قصص وكتب الأطفال؟
أول كتاب قرأته بعيدا عن قصص الأطفال المصورة ومجلة ميكي جيب، هي قصة (الاختفاء الغامض) – العدد الأول من سلسلة "رجل المستحيل" للدكتور/ نبيل فاروق، والتي أعتبرها مرحلة هامة جدا في حياتي لأنها كانت بداية إدماني لكل كتابات هذا الرجل المبدع بكل أنواعها (جاسوسية – خيال علمي - رومانسية)

3 كتب استمتعت بها وأنصح بها الآخرين؟
مممم 3 كتب ... طبعا أول واحد وأجمل كتاب أتمنى لو يقرأه الجميع ويتدبر معانيه - أو على الأقل يحاول - هو القرآن الكريم، والذي أنأى به طبعا عن المقارنة بما سواه من الكتب
الكتاب الثاني "عبقرية محمد" لمحمود عباس العقاد
أما الكتاب الثالث فهو رواية (La Ciociara) المعروفة في العربية باسم "امرأتان" لألبرتو مورافيا والتي تتحدث عن أم وابنتها والويلات التي صادفتهما في سنوات الحرب العالمية الثانية
آه معلش ممكن أخليهم 4 كتب بعد إذنكم؟
الكتاب الرابع لم يصدر بالأسواق بعد، ولكنه إن شاء الله في طريقه إلى ذلك، وهو المجموعة القصصية الجديدة للكاتب الشاب أحمد رمضان صاحب مدونة Ahmedism ، والمجموعة بعنوان "إنكسارات مخفية وأساطير محكية" وقد أعجبت بها جدا

كتاب قرأته وتتمنى لو لم تفعل؟
كانت إحدى روايات عبير، لا أتذكر اسمها، ولكني أذكر أنني لم أكرر المحاولة مع اي رواية أخرى من نفس السلسلة

كتب أقرأها حاليًا ؟
أقرأ حاليا كتاب (عايزة أتجوز) لغادة عبد العال، وبعده إن شاء الله في الخطة قراءة كل من: رواية شيكاغو لد. علاء الأسواني – كتاب "تاكسي... حواديت المشاوير" لخالد الخميسي – ورواية (بحر الروم) لأيمن زهري

خلصت الأسئلة ودي إجاباتي
ومرسي لـ la rose

الجمعة، 3 أكتوبر 2008

رحلة العذاب



"ركبت الأتوبيس اليوم ذاهبة إلى الجامعة"
هذه الجملة مكونة من بضع كلمات قليلة، ولكنها تحمل في طياتها مأساة كاملة. لقد بدأ الأمر بتعطل سيارة أبي وإرسالها للتصليح، وقد كان يحرص علي اصطحابي بها كل يوم من وإلي الجامعة منذ التحاقي بها هذا العام، وعلي الرغم من أنه لم يبغ بذلك إلا راحتي إلا إنني ضقت بالأمر، واعتبرته محاولة من أبي لمصادرة حريتي ومراقبة تحركاتي، لذلك لم تكد السيارة تتعطل حتى أخبرت أبي بأني سأذهب إلى الجامعة بمفردي هذا الصباح، وقد عرض علي أن يوصلني بسيارة أجرة، ولكني رفضت لأنه كانت بي رغبة في الاعتماد علي نفسي وخوض تجربة جديدة كالذهاب إلى الجامعة بالأتوبيس مثلا كجميع زملائي الذين لا يمتلكون سيارة وكانوا ينعتونني دائما بالمدللة لأن أبي يوصلني بسيارته كل يوم.
وبالفعل، ذهبت إلي محطة الأتوبيس وانتظرت حتى أتى الأتوبيس الذاهب إلى الجامعة ... لم يكن شديد الازدحام، فقد كان يحوي ما يقرب من مائة راكب فقط ! ولم يكد يتوقف في المحطة حتى اندفع طوفان من البشر – وأنا معهم – نحوه، واندفع طوفان آخر من داخل الأتوبيس للنزول واشتبك الجانبان... لم أدر ماذا حدث بالضبط ولكن في النهاية وجدت نفسي داخل الأتوبيس وسط حشود من الركاب، والكمساري الهمام يشق طريقه بينهم بشكل أشبه بالمعجزة لقطع التذاكر .. حاولت بكل جهدي أن أتجنب الاحتكاك بأي من الركاب ولكني فشلت فشلا ذريعا، فقد تكدسنا جميعا داخل الأتوبيس كقطع السردين داخل علبة من الصفيح الصدئ وأصبحنا كتلة واحدة، وما إن يتوقف الأتوبيس في أي محطة حتى نندفع جميعا بفعل القصور الذاتي ساقطين فوق بعضنا البعض، ويتعالى الصياح، ويندفع عدد آخر من الركاب صاعدين إلي الأتوبيس مع بعض الباعة الجائلين ببضاعتهم المختلفة (سجائر – دبابيس – أمشاط – حلوى ...الخ) وشيئا فشيئا انعدم الأكسجين تقريبا داخل الأتوبيس، فحتى النوافذ المفتوحة كانت مسدودة عن آخرها بالأجساد مما منع الهواء من الدخول، وأصبحت أتنفس بصعوبة وشعرت كأنني سأذهب في غيبوبة عميقة، واختلطت الأصوات في أذني: صياح الباعة .. بكاء طفل تحمله أمه .. لعنات يصبها السائق علي السائرين في الطريق.. الخ.
باختصار استغرقت الرحلة إلى الجامعة ما يقرب من الساعتين، ولكم أن تتخيلوا هيئتي عند الوصول، فحينما دخلت الكلية توقع جميع زملائي أنه قد وقعت لي حادثة مروعة ، فقد كنت مشعثة الشعر، مهلهلة الثياب، زائغة العينين كمن خرج على التو من معركة حامية الوطيس . ودخلت إلي قاعة المحاضرات وأنا أجر قدميّ من التعب لأحضر المحاضرة الثانية بعد أن فقدت الأولى لوصولي بعد انتهائها... وحاولت أن استجمع قواي وأركز فيما يلقيه علينا المحاضر و....
وفجأة سمعت من يصيح " أوقظوا تلك النائمة !!" وشعرت بيد تهزني بقوة، فانتفضت بسرعة، وعلت وجهي حمرة الخجل حينما اكتشفت أن النوم قد غلبني داخل قاعة المحاضرات، وبالطبع طُردت من المحاضرة.
وبمجرد عودتي إلى المنزل، أسرعت إلي أبي وسألته في لهفة:
"هل تم إصلاح السيارة؟ "
ولن أخبركم كم شعرت بالارتياح حينما أجابني بالإيجاب !!
لقد كانت تجربة لن أنساها مدى الحياة .. و كان الله في عون راكبي الأتوبيسات!!

الأحد، 28 سبتمبر 2008

الأصيل



- آ...آييي آى !!
لم أستطع كتمان صرخات الألم بداخلي أكثر من ذلك، ولكن هذا لا يهم فلن يسمعها أحد غيري علي أي حال!
ها هي الإبرة اللعينة تعود لتنغرز في أنسجتي من جديد ...
أما من نهاية لهذا العذاب يا إلهي!!!
ورغم كل آلامي احتملت، وصبرت كالعادة من أجل صديقي (محمد ) .... فأنا أيها السادة البنطلون الوحيد الذي يملكه!
نعم هذه هي الحقيقة، فمنذ تخرج (محمد) العام قبل الماضي من كلية الهندسة بعد عناء سنوات هذه الدراسة العملية – التي تستحق عن جدارة اسم السنوات العجاف – لم ينجح للأسف في العثور علي عمل مناسب، أو حتى غير مناسب ! فحتى عندما تنازل عن أمله في الحصول علي عمل بمؤهله الجامعي، لم يستطع احتمال الإهانات المتواصلة التي كان يتلقاها في أي عمل بسيط من الأعمال العديدة التي التحق بها، من رؤسائه الذين يكاد بعضهم يعجز عن فك الخط! والنتيجة أن كرامته قد أبت عليه أن يكمل العمل لأكثر من أسبوع واحد، ليتركه وهو محطم الآمال، فاقد الثقة في كل ما حوله، من حوله..
ولكن والدته الطيبة كانت تستقبله دائما بكل حبها، وحنانها لترفع من معنوياته وتعيد إليه الأمل، فيعود للبحث من جديد بلا جدوى حتى بليت ملابسه التي لا يملك غيرها، والتي أنا جزء هام منها بالطبع!
انتهت الأم الطيبة من إصلاح الأجزاء التي تمزقت فيّ بفعل القدم، وكثرة الاستخدام... وها أنا بعد الغسيل والكي أصبحت أمت من جديد بصلة لعالم الملابس.
كم فكرت في الانهيار، والاستسلام لتلك الآلام والتمزقات التي تملأني، ولكني كنت أعود وأتذكر (محمد) المسكين الذي لا يملك من حطام الدنيا سواي ، فأضطر للتحامل علي نفسي وأخضع مستسلما لمحاولات الأم المستميتة لرتقي وإعادة رونقي إليّّ .
كنت في أجازة بدأت منذ فترة عندما عاد (محمد) يوما إلي المنزل بعد جولة بحث فاشلة أخرى، وكان يائسا ومحطما حتى أنه قد حبس نفسه في المنزل منذ ذلك الحين، ورفض أية محاولات من أسرته أو أصدقائه لحثه علي الخروج من حجرته، وعدم الاستسلام لليأس حتى لا يدمر نفسه.
ولكن منذ عدة أسابيع زاره أحد أصدقائه، و أخبره نبأَ جعله يتقافز في الهواء من الفرح، فقد أنبأه صديقه هذا بأن أحد أقاربه من الأغنياء قد افتتح فرعا آخر لشركته الهندسية، وعينه هو فيها ، وطلب منه ترشيح عدد من زملائه المهندسين الشباب للعمل معه في هذا الفرع الجديد. وقد وقع اختيار الشاب علي (محمد) ضمن مجموعة المهندسين الذين انتقاهم.
وهكذا، خرج (محمد) من قوقعته، وها هو الآن يستعد للذهاب لعمله بعد أن انتظم فيه، وسعد به جداً لأنه قد أعاد له ثقته في نفسه، وفي قدراته كمهندس، بالإضافة إلي طموحاته وآماله كشاب في مقتبل العمر.
ولكنه اليوم كان أكثر سعادة ومرحاً وهو يداعب أمه قبل الذهاب إلي العمل، فقد كان هذا هو اليوم الموعود ... يوم تسليم الأجور للعاملين بالشركة.
وبالطبع كنت سعيدا من أجله، حتى كدت أبكي من الفرح. ولكن سرعان ما استبد بي القلق، وعصفت بنفسي الهواجس عندما خطر ببالي فجأة أن أول ما سيفعله (محمد) بمجرد استلامه لراتبه الكبير من الشركة هو.....
قطع أفكاري صفير إعجاب طويل انطلق من بين شفتي (محمد)، وهو يتوقف فجأة أمام واجهة أحد المحال التجارية.... وتحولت شكوكي في لحظة إلي يقين ، فقد كان متجرًا للملابس الجاهزة!
وبينما أخذ (محمد) يتأمل بانبهار تلك القمصان والبنطلونات الفاخرة، ويتخيل شياكته وأناقته عندما يرتدي تلك الثياب... كانت الدموع تسيل مني انهاراً، وأنا أتخيل نفسي وقد تحولت إلي خرق قماش بالية تستعملها أم (محمد) في مسح ذرات الغبار من على قطع الأثاث ،أو في تنظيف المطبخ!!
- أهذا هو جزاء إخلاصي و احتمالي طوال تلك السنوات؟!
- أهكذا يكافأ الأصيل في هذا الزمن!!.... واخسارتاه!
....................................................................

- وهكذا يا أطفالي كان تعييني في تلك الشركة هو الخطوة الأولى التي ساعدتني على بناء مستقبلي، وانهال عليّ الخير بعد ذلك بسبب اجتهادي في عملي، وتقدير صاحب العمل لمجهودي، حتى أصبحت أمتلك بدلا من القميص والبنطلون اليتيمين، صواناً كاملا يعج بأحدث صيحات الموضة من الثياب، وودعت أنا وأسرتي أيام الفقر للأبد.
ابتسم (محمد) و هو ينطق بهذه الكلمات موجها إياها لأولاده ، ثم اتجه إلي صوان ملابسه وفتحه مضيفاً:
- ولكني لم أنس ملابسي القديمة، ولم أتخل عنها، فخصصت لها مكاناً دائماً في صوان ملابسي، لكي أتذكر كلما نظرت إليها ما عانيته سابقا ، فيكون هذا حافزاً دائماً لي لمساعدة الشباب الذين يمرون بنفس الظروف التي عايشتها من قبل، ولأن هذه الثياب عزيزة جداً على نفسي، فقد احتملت معي الظروف الصعبة التي مررت بها في بداياتي، قبل أن يرزقني الله بما أرفل فيه من نعم الآن.
امتلأت نفسي بالفخر- وأنا معلق علي مشجب أنيق جنباً إلي جنب مع أحدث الصيحات من الثياب الأنيقة - لأني أنتمي لهذا الرجل ...
الأصيل !

الجمعة، 26 سبتمبر 2008

سأرحل


سأرحل ... يجب علىّ الآن أن أرحل، فلم يعد باستطاعتي البقاء
وكيف أبقى و أنا أعلم جيدا أن لا مكان لي في قلبك؟؟
وأنا أدرك أنك لا تكف عن خداعي واستخدام لعبة الكلمات بمنتهى الخبث لتمنحني أملا زائفا في أن تكون لي يوما دون أي وعد أو التزام...
كيف يمكن لصداقتنا الاستمرار، وأنا لم ولن أرضى أو أكتفي بدور الصديقة وإن كنت قد قبلته مرغمة بعد أن جربت مرارا مدى قسوة حرماني منك؟؟!
أتشعر بالدهشة لأنني أخيرا قد تمردت عليك وعلي قلبي ومشاعري؟!
هل تشعر بالصدمة لأنني قررت أن أبدأ من جديد بعيدا عن قسوتك وغرورك وجمود قلبك الصخري؟!
أتسأل نفسك : من أين أتتني الشجاعة لأبتعد؟!
صدقني إنني أسأل نفسي السؤال نفسه!!!
لقد فاقت قسوتك كل الحدود، و تخطى جبروتك ما يمكنني احتماله، حتى فاض نزف كرامتي، وكادت روحي أن تفيض معه .. وأدركت بعد كل هذه السنوات أني قد أحببت حجرا أصم، لا يملك قلبا أو مشاعرا ... بل أشد قسوة من الحجارة، فمنها ما يشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله!
أحببت من هدم عالمي بمعول قسوته وبروده وجمود قلبه، وأنا التي منحته حبا لم تمنحه لسواه، بينما كان هو كالفراشة التي تتنقل من زهرة إلى أخرى، تنهل من رحيقها جميعا دون أن ترتوي أو تميز بين هذه وتلك!!
أحببت من لم يشعر يوما بحبي أو بخوفي ولهفتي عليه!
من لم يتألم يوما لعذابي!
وكان عليّ أن أضع حدا لكل هذا .. يكفي ما أضعته من عمري أطارد سرابا وحلما زائفا بالسعادة.
أعلم أنك لن تلتفت خلفك للحظة ولن تعود محاولا استرضائي، ولن أنتظر عودتك فأنا علي يقين من استطاعتك الاستغناء عن أي شخص علي وجه هذه الأرض ...
وخاصة من يحبونك ..
ولكنك لا تدري حجم خسارتك ...
وعندما تدركه متأخرا ستندم أشد الندم!!

وحتى إن لم تندم... صدقني لم يعد ذلك يعنيني!

الأحد، 21 سبتمبر 2008

شكر واجب وبسم الله نبدأ



بعد بسم الله أود أن افتتح مدونتي العزيزة بخالص الشكر والامتنان لأخي وزميلي وصديقي الكاتب الماهر أحمد رمضان الذي تحمس لي واقترح عليّ فكرة طرح أفكاري وكتاباتي على مدونة خاصة بي، بل وبكرم حاتمي نادر في هذا الزمان قام بفتح المدونة واختيار الشكل المميز لها نيابة عني لأني كنت أجهل كيف أفعل ذلك.

لقد أثرت حماسي بالفعل يا صديقي... أرجو ألا أخيب ظنك وظن كل من سيتكرم بتشريفي على المدونة والتعليق على كلماتي.

وإلى لقاء