تابعوني على فيس بوك

السبت، 1 نوفمبر 2008

ليست زهرتي



منذ طفولتي وأنا أحمل عشقا خاصا للزهور، فكنت كلما مررت أمام بائع الزهور في طريقي إلى مدرستي الإبتدائية، أقف في انبهار كامل لأتأمل مدى جمال ورقة الزهور المختلفة الأنواع والأشكال والألوان، وكلا منها تحمل توقيع الخالق العظيم الذي لا يستطيع أبرع الفنانين سوى أن يقف عاجزا أمام روعة إبداعه.
ورغم اهتمامي بالزهور، إلا إنني لم اشتر زهرة واحدة طوال حياتي، ففي طفولتي كنت أفضل رؤية الزهور وهي في كامل رونقها عند البائع، وأرفض شراءها لأنني أعلم أني لن أستطيع رعايتها كما يجب وسرعان ما ستذبل ويذهب جمالها، ولن أحتمل حزني حينذاك!
وعندما كبرت، ظللت علي إصراري بعدم شراء الزهور- رغم ازدياد تعلقي بها-لأنها أصبحت تحمل لي دلالة أكبر وأعمق من مجرد رقتها وجمالها، وإبداع تكوينها...
أصبحت بالنسبة لي الرسالة التي انتظر بشوق ولهفة أن تصلني من الإنسان الذي يختاره قلبي ليخبرني بواسطتها عن كم الحب الذي يحمله لي.
وأصبحت نظراتي للزهور كلما مررت أمام بائعها في طريقي إلى الجامعة، تحمل إلي جانب الانبهار، اللهفة والشوق والأمل خاصة بعد أن التقيت بذلك الإنسان الذي طالما حلمت به، وهو زميلي بالجامعة.
لم يكن بيننا أي شيء سوى تبادل الحوارات العادية كأي زميلين، حتى أننى لم أكن أحادثه بمفردي، بل كنت دائماً أصطحب معي زميلتي المقربة لي لكي لا أشعر بالخجل من محادثته بفردي... مجرد مراقبته وهو يتحدث بكل خفة ظله وثقته بنفسه كانت تحمل لي كل المتعة!
و مع كل يوم يمر كانت العلاقة بين ثلاثتنا تتوطد أكثر وأكثر، وكان الأمل والشوق في نظرتي للزهور يزداد أكثر وأكثر!
وأصبح كل منا يعرف كل شئ عن الآخر، وكلما ازدادت معرفتي به، كلما ازدادت مشاعري نحوه ، حتى أصبح حبه يسري في كل قطرة من دمي، و ازداد شوقي لليوم الذي يصارحني فيه بمشاعره، وأحصل علي زهرتي التي لا أتمنى في عمري كله أكثر منها!
وفي أحد الأيام، وأنا في طريقي للكلية، وجدته متوقفا عند بائع الزهور، وكدت أتقافز من الفرح عندما اشترى من البائع زهرة حمراء لم أر في حياتي أجمل منها في تفتحها، والندى الذي يبرق علي أوراقها كقطرات من الفضة المتلألئة!
و تذكرت فجأة أن اليوم هو عيد ميلادي!
إذن لابد أنه قد اشترى هذه الوردة ليقدمها لي في عيد ميلادي.. وامتلأ كياني كله بالسرور حتى لقد أحسست أنني أكاد أطير في السحاب من فرط السعادة!
وكان من الطبيعي أن يسبقني هو إلي الكلية، بعد أن تباطأت خطواتي كثيراً لأني كنت غارقة في أحلامي!
وعندما وصلت حاولت التحكم في مشاعري وانفعالاتي قدر الإمكان، وتوجهت إلى زميلتي الحبيبة لألقي عليها تحية الصباح وأنا أحمل علي وجهي ابتسامة أخبرتني هي أنها تضفي علي وجهي بهاءً و ضياءً لم تر لهما مثيلاً.
وقبل أن تبدأ في استجوابي عن سبب سعادتي البالغة- بالخبث الأنثوي المعهود- لمحته بطرف عيني يتجه إلينا وهو يحمل زهرتي بين يديه، واحمر وجهي خجلا حتى بات ينافس احمرار الزهرة، وأنا أراه يتقدم منا بخطوات ثابتة، وهو يمد يده بالزهرة ...
وفجأة.. تحول خجلي إلي دهشة واستنكار، وتراجعت خطوتين إلي الوراء من فرط المفاجأة، عندما مد يده بالزهرة إلى صديقتي وقال لها و عيناه تحملان كل الحب:
- كل عام و أنت بخير .. اليوم هو عيد الحب !
فتصاعدت حمرة الخجل إلي وجهها، وقالت وهي تتناول منه الزهرة:
- كل عام و أنت بخير.. أشكرك . إنها أجمل زهرة رأيتها في حياتي!
ثم همست له:
- لقد أحرجتني أمام صديقتي.
فوجدته يلتفت ناحيتي قائلاً، وهو يحمل علي شفتيه ابتسامته التي طالما عشقتها:
- إنها ليست غريبة ، لن نخفي عنها شيئا...
ثم وجه إليّ الحديث:
- إنني أحب صديقتك هذه ، وسأتقدم لخطبتها في الإجازة الصيفية إن شاء الله.
فرددت، وأنا لا أدري كيف استطعت إخراج الكلمات:
- ألف مبروك! .. إنني في غاية السعادة من أجلكما!
وانسحبت، وقد تذكرت أن تاريخ ميلادي هو نفسه يوم عيد الحب!
وأدركت أخيرا ما سر ارتباطي بالزهور، ففي هذه اللحظة كنت زهرة متفتحة مليئة بالبهجة، قطفتها يد قاسية لا لتستمتع برحيقها، ولكن لتسحقها بمنتهى القسوة تاركة إياها وقد تحولت لأوراق متناثرة علي الأرض، وقلب محطم!
كما أدركت أيضا أن تلك الزهرة الجميلة ....
ليست زهرتي!!

هناك 10 تعليقات:

غير معرف يقول...

:)
قصة مميزة كالمعتاد عزيزتي :)
يلفت النظر اهتمامك بالتفاصيل الصغيرة وبحكي الجانب الداخلي من الأحداث الذي يدور في عقلك .. ومقارنته بما يحدث حقًا في العالم الخارجي.

شيماء زايد يقول...

انت فنانه واديبه بحق
يبهرني اسلوبك واهتمامك بالتفاصيل الدقيقه
كما انها اقصوصه مكتمله الاركان الحدث والصراع والابطال والعقده
حقا حقا ابدعتي
في انتظار المزيد
تحياتي

الازهرى يقول...

صديقتى العزيزة

بالفعل قد خسرت الكثير بانقطاعى عن متابعت كلماتك الرائعةفى الفترة السابقة

الكلمات تنساب وتتكامل لتعطى للقصة رونقا لا يبارى

تحياتى وخالص مودتى واعتذارى

mohamed ghalia يقول...

ايه مش ناوية تجاوبى التاج
(زعلان)

الوردة البيضا يقول...

عزيزي أحمد
تحليل جميل أشكرك عليه، وإن كان رأيك أن القصة مميزة، فرأيي أنك بكل تأكيد صديق مميز.

شكرا على كل شيء

الوردة البيضا يقول...

الصديقة شيماء زايد
مرسي على زيارتك الجميلة وكلاماتك الأجمل، والتي رفعت بكل تأكيد من روحي المعنوية.

تسعدني زيارتك، وأرجو تكرارها

الوردة البيضا يقول...

الأزهري
أنا من افتقدتك يا صديقي. أهلا ومرحبا بك في أي وقت.

لا اعتذار بين الأصدقاء

welcome back!!

الوردة البيضا يقول...

الصديق محمد غالية
أنا مقدرش على زعلك أبدا، ومرسي على اهتمامك وضمي لقائمة أصدقائك، وقد أجبت بالفعل عن أسئلة امتحان السعادة، ويا رب أنجح!!
أعتذر عن التأخير
ومرسي مرة تانية

Hanan Elshafey يقول...

الزهره الجميله علا دايما في علا اسلوبك قدير ومشاعرك متكامله وصادقه امتعتني صراحة الاحساس وبراءة الكلمات اول زياره لي ولن تكون باذن الله الاخيره

الوردة البيضا يقول...

العزيزة حنان الشافعي
زيارتك الجميلة أسعدتني أيما سعادة، وكلماتك زادت من سعادتي
شرفتيني والحمد لله أن أعجبتك محتويات المدونة وأتمنى أن تسعديني دائما بزياراتك وتعليقاتك وأن أكون عند حسن ظنك
وسنة جديدة سعيدة عليكي ان شاء الله