تابعوني على فيس بوك

الاثنين، 15 ديسمبر 2008

لله درك يا "منتظر"... يا صاحب أغلى حذاء في العالم



كنت بين النوم واليقظة في فراشي بالأمس عندما سمعت صوت شقيقتي في الردهة وهي تهلل بانتصار وتنادي على أبي وأمي بمنتهى الحماس ليشاهدا معها رئيس أكبر وأقوى وأهم دولة في العالم وأكثرها ظلما وجبروتا وهو يُضرب بالحذاء فردة وراء الأخرى!!
ومن صياحها وحماسها وهي تشرح لهما ما حدث علمت ما جرى، لكني لم أتحمس مثلها بما يكفي لمغادرة فراشي لإلقاء نظرة على هذا المشهد التاريخي الذي أخذت قنوات التليفزيون تعيده مرارا وتكرارا مثلما يفعلون مع أهداف كرة القدم في المباريات الدولية الهامة.
أحزنني بالطبع أن "بوش" قد نجح بمنتهى المهارة في تفادي فردتي الحذاء، وأغاظني بروده وسماجته وهو يلقي دعابة حول مقاس الحذاء الذي طار فوق رأسه، لكن ما مزق قلبي بحق كان صوت صراخ الصحفي العراقي المسكين "منتظر الزيدي"، وهو يئن من الألم تحت وطأ ضربات الحرس الخاص لبوش ومعهم حرس حكومة وطنه التي تدين بالولاء للمحتل الأمريكي القبيح. وكدت أبكي وأنا أتخيل المصير الذي ينتظر ذلك البطل الذي فعل ما لا يجرؤ عليه إنسان ووجه لبوش وللعلم الأمريكي إهانة مستحقة على مرأى ومسمع من العالم أجمع!
بعد التفتيش الدقيق الذي خضع له "منتظر" مثل كل من سمح له بدخول هذه القاعة التي تخضع بالحراسة المشددة لم يبق له سوى حيلة العاجز، فقد كان سلاحه الوحيد الذي يملكه في هذه اللحظة هو حذاؤه، لكنه لم يتردد وألقاه بكل قوته والنار المحتدمة بداخله في وجه القبح والظلم والعدوان .. في وجه "جورج بوش" الذي وصفته أمه نفسها بأنه "أغبى أبناءها الذي يحكم العالم"!!
وأخذت أتساءل: من منا في شجاعة وإقدام "منتظر"؟؟ من في كل العرب والمسلمين الذين ذاقوا الذل والمهانة والمرار بألوانه المختلفة على يد أمريكا وإسرائيل من خلفها كان يمتلك ما يكفي من الجسارة ليفعل ما فعله هذا البطل؟؟!!
الإجابة للأسف هي لا أحد، أعلمها كما أعلم تماما أنه لن يكون هناك موقف عربي "رسمي" واحد من أي ركن في أنحاء وطننا الكبير يتحرك بشكل فعال لإنقاذ من انتقم لكرامتنا جميعا، ووجه لبوش الرسالة التي ود كل منا أن يتسلمها، ولذلك فاستكمالا لاتباع مبدأ حيلة العاجز أدعو الله العلي العظيم من كل قلبي أن يكون بجوارك يا "منتظر"، وأن ينقذك من كيدهم ومن بطشهم وأن يجعل نارهم بردا وسلاما عليك كما كانت على "إبراهيم" عليه السلام.

الأحد، 7 ديسمبر 2008

ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين


لن أقص عليكم هذه المرة قصة جديدة، ولن يكون موضوعي هذا أيضا مجرد تهنئة بالعيد كما كنت أتمنى، وذلك بعد أن وقع موقف محزن لصديق عزيز ليس مصريا.
للأسف تعرض هذا الصديق منذ أيام قلائل لحادث سرقة سخيف أثناء وجوده بأحد المطاعم الشهيرة بوسط القاهرة، حيث اختفت حقيبته فجأة من جواره دون أن يترك ذلك اللص الحقير أي أثر خلفه، وبالإضافة لما كانت تحتويه هذه الحقيبة من أموال وأشياء خاصة بصاحبها وتساوي الكثير ماديا ومعنويا، فقد احتوت أيضا على أمانة لا تخصه، وعليه الآن بعد سرقتها أن يتحمل ثمنها كاملا!!
يجب أن نعترف أن الحوادث السخيفة التي تقع في شوارع القاهرة– من سرقة ونشل وخلافه الكثير – قد زادت بشدة في الفترة الأخيرة، وأن شقيقتي نفسها قد تعرضت في شهر واحد لحادثين دفعة واحدة أحدهما سرقة بالإكراه عندما مرت بجوارها دراجة بخارية مسرعة جدا يركبها شابان اختطف أحدهما حقيبتها بكل محتوياتها في لمح البصر، وأكملت الدراجة البخارية انطلاقها دون أن يتدخل أحد من المارة رغم صراخ شقيقتي التي أصابها الفزع والرعب مما حدث، والمرة الأخرى كانت حادث نشل في مترو الأنفاق، وضاع فيها مبلغا محترما من المال إلى جوار بطاقتها الشخصية - التي كانت قد استخرجتها من جديد بعد ضياعها في الحادث الأول!!
قد يكون تعدد هذه الحوادث ووضوحها بشكل كبير نتاج عدد سكان مصر الرهيب الذي يتزايد باضطراد وبلا هوادة، بالإضافة لزوارها والمقيمين فيها من الجنسيات الأخرى، مع الظروف الإقتصادية والاجتماعية المؤلمة التي تمر بها بلادنا والتي نعلمها جميعا، لكن الأمر اتسع ليتجاوز الأضرار الفردية، تجاوزه إلى الإضرار بسمعة مصر وتشويه أجمل سمة لطالما اتسمت بها بالنسبة لكل غريب أو زائر، والتي عبر عنها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم بقوله "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"... أين ذهب الأمان فيك يا مصر؟؟ وإن كنا نحن كمصريين يمكننا إيجاد تبريرات عندما تحدث هذه المواقف المؤلمة لأي منا، فما الذي يمكنني أن أقوله لصديقي هذا وغيره الكثيرين الذين فقدوا الثقة في المصريين وباتوا يفتقرون للأمان بيننا ولعل آخرهم المطربة المغربية ليلى غفران التي فقدت ابنتها مؤخرا على أرض مصر والقاتل مصري للأسف!!
ماذا حدث لنا؟؟ وماذا حدث لمصرنا الحبيبة الآمنة الجميلة التي تفتح ذراعيها منذ آلاف السنين لكل زائر وغريب، وتحيطه بالكرم والأمان والود؟؟؟
لازال الخير موجودا في أبنائك يا مصر هذا صحيح، لكنه انكمش كثيرا كثيرا عما سبق، وأصبح الأخيار قلة مندسة وسط الآلاف من منعدمي الذمة والضمير، ولكي لا تكون الصورة قاتمة تماما يجب أن أقص الموقف الذي تعرضت له أنا شخصيا في أحد الأيام عندما كنت في طريقي لعملي صباحا وركبت وسيلة مواصلات خاطئة بعد أن ضللني المنادي الذي يجمع الأجرة بالسيارة، وبسبب الزحام الرهيب تركت حقيبتي مع إحدى الراكبات حتى أستطيع الوقوف، ولكني عندما اكتشفت أن السيارة تسير في مسار خاطئ لن يذهب بي أبدا إلى عملي الذي تأخرت بالفعل عن موعده تصاعدت الدماء إلى رأسي وتشاجرت مع المنادي حتى أوقف السائق السيارة وفي غمرة انفعالي نزلت وتركت حقيبتي!!
لم يكن معي طبعا قرش واحد، لكن أقسم لكم أن سائقا آخر محترما توقف لي وأصر على توصيلي حتى باب الشركة التي أعمل بها دون أن يتقاضى أجرته بل أصر أيضا على منحي جنيها أركب به لأعود لمنزلي!!!
الأدهى من ذلك أن حقيبتي المفقودة عادت لي في اليوم نفسه دون أن تنقص منها قشة، ودون أن يقبل سائق السيارة التي كنت أركبها،- والذي عثر عليها بعد نزول الركاب – أن يتقاضى أي مكافأة على أمانته، وفعل مثله ساعي مكتبي الذي ذهب للقائه واستلام الحقيبة منه!!
هذا هو كل ما يمكنني قوله لصديقي ولكل من تعرض لحادث مؤلم على أرض وطني الحبيب... الخير لا يزال موجودا في أبناء مصر رغم كل ما يحدث لهم ويدفع البعض منهم لارتكاب أفعال غير مسئولة تسيئ لنا كمصريين وتسيئ لصورة مصرنا الجميلة في عيون زوارها.
يؤسفني إثارة موضوع كهذا في هذه الأيام التي نحتفل فيها بعيد الأضحى المبارك، لكني أنتهزها فرصة لأدعو الله في يوم عرفة أن ينمي بذرة الخير الباقية في نفوس أبناء مصر، ويوقظ ضمائر من غابت ضمائرهم منا ليعلموا بشاعة الجرم الذي يرتكبوه...
وأدعوه أن تعود مصر- كما كانت على مر العصور – حصن أمان لكل من يقصدها وكل من يحيا على أرضها.
آمين

السبت، 29 نوفمبر 2008

أنا في انتظارك



عم السكون والهدوء التام أركان المنزل الصغير المرتب، إلا من الدقات الرتيبة للساعة الكبيرة المعلقة على الحائط، إلى أن شق الصمت صوت خطوات بطيئة لسيدة مسنة تبدو على ملامحها الطيبة والحزن النبيل، وبقايا جمال لافت.
اتجهت السيدة مباشرة نحو منتصف ردهة المنزل الخاوية من البشر، حيث استقرت على مقعد هزاز يجاور منضدة صغيرة عليها مسجل قديم تأملته السيدة للحظة قبل أن تمد أصابعها لتديره، ثم تعود لتستند على ظهر المقعد.
وانطلق في خفوت من المسجل القديم صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهي تشدو بإحدى روائعها: "أنا في انتظارك خليت ناري في ضلوعي وحطيت إيدي على خدي وعديت بالثانية غيابك ولا جيت...."
وشردت السيدة وهي تستمع لأغنيتها المفضلة، وانطلقت بعقلها في جولة بين الذكريات التي اختلطت بكلمات الأغنية لترسم على وجهها الصافي تعبيرات صامتة، لكنها تنطق بالفرحة تارة وبالأحزان واللوعة تارة أخرى.
تذكرت لقاءها الأول بحبيب عمرها منذ أكثر من ثلاثين عاما، عندما ذهبت لاستلام العمل في إحدى الشركات بعد تخرجها، وكان هو زميلها بنفس المكتب، واستقبلها بابتسامة ساحرة أزالت عنها كل توترها، وسرعان ما نسج الحب خيوطه الحريرية لتربط بين قلبيهما في شهور قليلة...
تذكرت كيف رفضت أسرتها ارتباطها بذلك الشاب الفقير الذي لا يزال يخطو خطواته الأولى في الحياة.. أشفق عليها والديها من اختبار قسوة الحياة، وهما من اجتهدا طوال حياتهما لتوفير حياة كريمة قدر الإمكان لها ولإخواتها، لكنها أصرت بمنتهى الحزم على اختيارها له، وأخبرت أهلها أنها لن ترضى بغيره شريكا لحياتها، وأنها لن تنتظر منهم أيه مساعدة على تنفيذ قرارها سوى مباركته.
وارتسمت على شفتيها المتعبتين ابتسامة رائعة عندما رأت طيفها هي وخطيبها – آن ذاك – وهما يخطوان خطواتهما الأولى داخل هذه الشقة الصغيرة التي كانت في ذلك الحين خاوية على عروشها، لكنها كانت بالنسبة لها أجمل قصر سيضمها مع من أحبت واختارت... تذكرت نظراته الخجلة المليئة بالامتنان وهو يعتذر لها عن ضعف إمكاناته، وعدم قدرته على تجهيز المنزل بالشكل اللائق، وكيف طمأنته أنها معه ولن تتخلى عنه حتى نهاية المشوار.
وابتسمت لهما الحياة... كان زوجها نعم الزوج الحنون التقي... لم يغضبها يوما أو يتنصل من مسئوليته اتجاه أسرته.. لم يكل من العمل ليلا ونهارا لتحسين دخلهما، وحتى في ذروة أي أزمة مالية مرت بهما لم يكن أبدا ليعبس في وجهها أو ينسى شراء الزهور التي يعلم أنها تعشقها وتسعد بها. وهي من جانبها اجتهدت في تدبير أمور المنزل وادخار القروش رويدا رويدا من عمله وعملها حتى نجحت في إكمال ما ينقصهما من أثاث وتجهيزات بالمنزل، وكثيرا ما كانت تفاجئه بقطعة أثاث جديدة اشترتها أو جهاز منزلي لم يستطيعا اقتناءه في البداية.
وازدادت فرحتهما بقدوم طفليهما الواحد تلو الآخر، ورغم اضطرارها في هذه الظروف لترك العمل والتفرغ لتربية الطفلين، إلا أن زوجها لم يشك أبدا من ازدياد الأعباء عليه، ولم تتوان هي أيضا عن استقباله بعد عودته من العمل بكل حبها وحنانها تقديرا منها لكل ما يبذله، ومحاولة لإسعاده ومحو إرهاقه .
ومضت الأيام سريعا، والتحق الطفلان بالمدارس، وزوجها على حاله يتحمل الأعباء كلها وحده، وكلما عرضت عليه أن تعود لعملها لتساعده رفض أن يحملها فوق طاقتها، وأجابها بابتسامته التي طالما عشقتها: " يا زوجتي الحبيبة .. يكفي كل ما تبذليه من جهد لتربية أبنائنا وتدبير أمور حياتنا".
وخانتها دموعها، وهي تتذكر اكتشافها بالصدفة لإصابته بالمرض الخبيث وهو لا يزال في ريعان شبابه، بعد أن حاول كثيرا إخفاء حقيقة الأمر عنها...ذلك المرض اللعين الذي التهم جسد حبيبها وزوجها بلا رحمة، وفي أقل من عام، رغم أنها لم تدخر أي جهد أو مال لعلاجه، خاصة مع تدخل أهلها للمساعدة ، بعد ما رأوه منه طوال السنوات الماضية من شهامة وكرم أخلاق استحق معهما أن يكون زوجا لابنتهما.
ورحل الزوج الشاب، وبقيت هي كجثة متحركة... ذهبت روحها معه، ومع ذلك عليها أن تكمل المشوار، وأن تحمل المسئولية من بعده، وتكمل رسالته التي بدأها مع ابنيهما. وبالفعل عادت إلى العمل وتولت تربية الطفلين وحدها، ورفضت كل محاولات أهلها لإقناعها بالزواج مرة أخرى، فهي لم تنسه لحظة واحدة، ولم تنقطع يوما عن مناجاة صورته الكبيرة المعلقة في غرفتهما ومناقشة كل شئون الأسرة والأبناء معه، لتتخيل ماذا كان سيصبح رأيه في هذا الأمر أو ذاك، ولتشعر دائما بوجوده معها يدفئها ويحميها. كانت تتعجل الأيام حتى تكمل رسالتها على خير ما يرام. وبالفعل مضت السنوات وكبر الولدان، وشق كل منهما طريقه في الحياة، وبقيت هي وحدها في انتظار ساعة اللقاء... تستيقظ كل يوم متلهفة على قطع ورقة النتيجة المعلقة على الحائط والتي تنقص يوما آخر من أيام الانتظار، ثم تجلس في مقعدها الهزاز لتستمع إلى نفس الأغنية وتسرح في ذكرياتها مع حبيبها..
انتهت الأغنية، وعم الصمت من جديد، ومضت ساعات دون أن تتحرك السيدة التي أغلقت عينيها وارتسم السلام والاطمئنان على وجهها..
وبدا أن انتظارها قد انتهى.

السبت، 22 نوفمبر 2008

كوسة



- خطأ... هذا الأمر لم يكن ينبغي له أبدا أن يعالج هكذا!! من الذي أنجز هذا العمل؟؟!
وبمجرد سماعي لصوته الجهوري أدركت أني المقصود بالكلام ... ومن غيري؟!
- إنه أنا يا سيدي .. أنا الذي قمت بهذا العمل.
- أنت !! دائما أنت!! ... ألن تتعلم أبدا ؟؟؟ ستظل دائما ترتكب هذه الأخطاء الفادحة... لماذا لم تتبع ما علمتك إياه أيها الغبي؟؟!
- ولكن ... ولكن يا سيدي أنا لم أفعل سوى ما وجهتني سيادتك لفعله وما علمتني إياه عندما بدأت العمل هنا و...
قاطعني صوته الهادر وهو يصرخ :
- وأيضا تجادل وتكذب .. عندما أتحدث لا يجب أن ترد يا أفندي! .. ولا تنس أنك لا زلت في فترة الاختبار أي أنه يمكنني أن أكتب تقريرا يصي بعدم صلاحيتك للعمل كما يمكنني إحالتك للتحقيق و......
وصممت أذني عن باقي إسطوانة التقريع المعهودة التي أعرفها جيدا والتي لم أسمع سواها منذ استلمت عملي بهذه الجهة الحكومية المرموقة، والتي لا يعمل بها في الغالب إلا ذوي الوساطة والمعارف القوية جدا جدا، وإنما جاء عملي أنا بها من قبيل الصدفة البحتة أو كما يقولون (ربك لمّا يريد!!).
لقد تخرجت في إحدى كليات القمة منذ أكثر من أربع سنوات، وكنت وقتها أظن أن مؤهلي الجامعي وتقديري العالي سيعوضان فقري وإنعدام معارفي من ذوي الحيثية، وانطلقت أبحث بكل قوتي وقروشي القليلة، وتقدمت لكل الأعمال المناسبة لمؤهلي سواء كانت قطاع عام أو خاص وفوجئت بالنتيجة وهي الفشل الذريع ... وصُدمت بالطبع و لكني لم أيأس. وبدأت أبحث من جديد عن أي عمل عادي يمنحني راتبا يمكني من خلاله زيادة قدراتي بالحصول على دورات في الكمبيوتر واللغات، وحينما فشلت أيضا في ذلك ونفذت قروشي القليلة - مع علمي بعدم إمكانية أسرتي تحمل المزيد من الأعباء – قبلت العمل تارة كبائع في محل ملابس و أخرى كموظف أمن وثالثة كمسئول عن قسم البقالة بأحد محلات السوبر ماركت .....
لم توقفني نظرات الشفقة في عيون البعض، والشماتة في عيون البعض الآخر .... لم يوقفني تخلي خطيبتي عنى لأنها أشفقت على نفسها من طول المشوار ... تألمت وتعذبت ولكني لم أتراجع عن حلمي البسيط بأن أجد لي مكانا يليق بعلمي وثقافتي وإمكانياتي علي أرض وطني ...
وبالفعل أخذت في رفع قدراتي بالحصول على الدورات المختلفة، كما عدت لمواصلة الدراسة للحصول على الماجستير، وبجوار كل ذلك لم أتوقف عن البحث .. ولم تتغير النتيجة!!
وبالطبع كانت تنتابني كل فترة حالة من الاكتئاب واليأس والإحساس بالعجز، ولكني لم أكن أسمح لها بأن تدوم لأكثر من أيام معدودة، فالفقر لا يسمح لك عادة برفاهية الاحتجاج أكثر من ذلك!
ومضت الأيام و أنا أقابل فشلا تلو الآخر في الحصول على عمل لائق، ودون أن أنجح حتى في إدخار أي مبلغ من المال لأن كل ما أعمل به كنت أنفقه في البحث عن عمل، و الحصول علي الدورات التدريبية المختلفة بالإضافة إلى الاحتفاظ علي الأقل بطاقم مناسب من الثياب يضمن لي مظهرا لائقا عند التقدم لأي وظيفة.
ملخص القول أنه بعد مضي أربع سنوات كاملة على تخرجي قابلت بالصدفة أحد زملاء الدراسة القدامى والذي استطاع بإتصالاته الحصول علي وظيفة مرموقة بتلك الهيئة الحكومية المميزة والتي تتبع أعلى الجهات في الدولة، وأخبرني زميلي أنه توجد فرصة للحصول علي وظيفة مماثلة وأن إعلانا داخليا قد تم نشره بهذا الشأن، وأنني إذا أردت يمكنني التقدم وإن كانت فرصتي ضعيفة لأن من بين المتقدمين لهذه الوظيفة ابن فلان بك وابنة فلانة هانم و .....
وأذهلتني الأسماء التي سمعتها، ولكني لم أتردد فقد اعتدت أن أقوم بواجبي، وأترك الباقي علي الله .
وتقدمت للاختبار، وأنا أعلم مسبقا أنني لن أُقبل في هذه الوظيفة، ولكني اجتهدت في الحل علي مدى ثلاث ساعات هي مدة الاختبار ...
ومضت عدة شهور على هذه الواقعة، ثم فوجئت بزميلي المذكور يتصل بي تليفونيا ليخبرني بأنه قد تم اختياري للوظيفة!!
وظننت في البداية أنه يمزح و لكنه أقسم لي أنها الحقيقة قائلا:
- لا أدري كيف حدث هذا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ...ولكنك فزت بالوظيفة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!..مبـــارك يا رجل!‍‍‍!
وتهللت فرحا، وتقافزت في الهواء ... وأخذت أضحك تارة وأبكي تارة أخرى كالمجاذيب ... والتفت إلي أمي أغمرها بالقبلات .. لقد أنصفني الزمان بعد طول عناء ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!...
ولم تدم فرحتي طويلا، فمنذ اليوم الأول استقبلني رئيسي بابتسامته الصفراء التي لم أتفاءل بها أبدا، ومنذ ذلك الحين وهو يكيل لي الإهانات والتهديدات بفصلي وكتابة التقارير السوداء في حقي رغم اجتهادي الشديد في عملي الذي نلته بعد طول انتظار.
وكل مرة كنت أحاول تجنب غضبه بالتدقيق أكثر في عملي، والاستماع لملحوظاته وتنفيذها حتى وإن كنت أجدها أحيانا سخيفة، ولكن دون جدوى للأسف ‍‍‍‍‍!! ... فكل خطأ لابد وأن يكون خطأي وحدي ... وكل مشكلة لابد وأن أكون أنا سببها الرئيسي...
وبتدقيق الملاحظة والتقاط الكلام الذي يتناثر هنا وهناك علمت سبب معاملة رئيسي السيئة لي وهو أنني الوحيد في إدارته الذي يعمل بدون وساطة أو معرفة بشخصية مرموقة بينما الآخرين ليسوا كذلك والمثل الشهير يقول ( اللي له ضهر ....) تعلمون الباقي بالطبع!!
وهكذا فمديري العزيز لا يمكنه أن يلوم أي من زملائي على خطئه، كما لا يستطيع محادثتهم بطريقة غير لائقة، ولكن بالنسبة لي الأمر مختلف بالطبع!!
كما علمت أن الصدفة الغريبة التي جعلتني أفوز بالوظيفة هي أنهم قد خشوا تعييين ابن فلان بك فتغضب فلانة هانم، أو تعيين ابنة فلانة هانم فيغضب فلان بك. وهكذا اضطروا لاعتماد نتيجة الاختبار الحقيقية لأن المكان المتاح كان لموظف واحد فقط، وبهذا يحدث تعادل لكلا الطرفين ويتخيل كل منهما أن من حصل على الوظيفة جاء عن طريق سلطة أعلى منهما ‍‍‍!!
قد لا تصدقوني ... ولكنها الحقيقة العارية ... هكذا تسير الأمور في بلدنا صاحب الحضارة العريقة والتاريخ الطويل!!
والأدهى من ذلك أنه بعد مضي بضعة أشهر من الويل والعذاب رحمني الله من ذلك المدير الذي يكرهني بلا سبب عندما تم نقله خارج القاهرة لكي يحصل علي منصبه آخر يحمل سلطة ومعارف أعلى منه ...
والعجيب أنه قبل رحيله من المكتب لآخر مرة أخذ يهلل قائلا:
- لا يوجد عدل في هذا الزمان ... لقد أصبحت (الكوسة) هي التي تتحكم في كل شئ!!
ولكني أخشى ألا تكتمل فرحتي هذه المرة أيضا فقد سمعت أن مديري الجديد له ابن يحمل نفس مؤهلي، وأنه يتمنى لو يحصل ولده علي وظيفة في نفس إدارته .... وأدركت صحة مخاوفي عندما دخل المدير الجديد في الصباح ، وكان أول ما سأل عنه وهو يكشر عن أنيابه هو :
-أين المـــوظف الجدييييد!!

- ألم أقل لكم؟؟؟

السبت، 15 نوفمبر 2008

مدموزيل من فضلك

أدارت "نور" المفتاح في ثقب الباب بعد عودتها من العمل، ودلفت إلى شقتها الصغيرة في ذلك الحي الشعبي المزدحم، وزفرت في ضجر وهي تضيء الردهة وتدور بعينيها المرهقتين في المكان الخاوي من البشر، والذي كان حتى سنوات قليلة مضت يمتلئ ليلا ونهارا بالصياح المتبادل بين والديها المسنين اللذين كانا لا يكفان أبدا عن الشجار والمناكفة على طريقة مصارعة الديوك ولأتفه الأسباب!!
- "أين هما الآن؟؟" تساءلت "نور" بصوت مرتفع ثم أكملت في مرارة: " لقد ذهبا وتركاني وحدي".
خطت في بطء نحو أول مقعد صادفها، وألقت جسدها عليه كما لو كان بناء متهدما، وهي تحول نظراتها إلى صورة شقيقتها الصغرى المعلقة على الحائط وقالت – كعادتها في التفكير بصوت مرتفع –: تزوجت يا حبيبتي واندمجت في حياتك... ولم يبق لي سوى وحدتي وعملي، وذلك اللقب اللعين الذي التصق باسمي للأبد... لقب آنسة!!".
كانت "نور" متوسطة الجمال، لكنها رشيقة وجذابة، ورغم تجاوزها سن الثلاثين ببضعة أعوام، إلا إنها كانت تبدو في العشرينات من عمرها لرقتها وبساطة مظهرها وضآلة جسدها. لكن ما جدوى أن تبدو أصغر من عمرك الحقيقي بعشر سنوات إذا كنت في داخلك تشعر أن عمرك يتجاوز الألف عام!
وكان لقب "آنسة" يثير بداخلها كلما سمعته مشاعرا متباينة... ففي البداية تشعر بالرضا والثقة في نفسها لأنها تبدو شابة صغيرة يناديها من لا يعرفها بهذا اللقب... ثم لا تلبث أن تشعر بالألم والأسى لأنها لم تحظ أبدا بالفرصة التي تتمناها كل امرأة، وهي أن تصبح زوجة وأما.
لم تدر كم بقيت جالسة على الوضع نفسه... ربما ساعة أو أكثر، ثم لم تلبث أن نهضت في تثاقل لتغير ثيابها وتؤدي الصلاة، ثم وضعت بعض أطباق الطعام على المائدة وأشعلت التلفاز، وجلست أمامه لا تدر ماذا تشاهد أو ما مذاق تلك اللقيمات التي تضعها في فمها بشكل آلي.
ودق جرس الهاتف فتركت ما بيدها واندفعت إليه بلهفة مجيبة: " آلو... "حبيبة" ... أين أنت؟ لماذا لا تسألين عني؟ هل ستأتين لزيارتي في نهاية الأسبوع؟"
ولم تلبث علامات خيبة الأمل أن ارتسمت على وجهها عندما اعتذرت شقيقتها عن زيارتها هذا الأسبوع أيضا لأنها ستسافر في أجازة مع زوجها وأولادها. وبالطبع لم تفكر في دعوة "نور" لمرافقتهم ولو من باب المجاملة.
وعادت "نور" للجلوس أمام التلفاز والدموع تنهمر تلقائيا على وجهها... إنها ليست نادمة على قرارها بعدم الزواج... لقد كانت مقتنعة تماما في كل مرة رفضت فيها الزواج من إنسان غير مناسب لم ير فيها أي شيء يميزها عن غيرها من النساء، ولم يلق بالا لرفضها متوجها في اليوم التالي إلى غيرها... لم تقابل في حياتها إنسانا واحدا أحبها بحق، وحتى عندما أحبت لم تستطع قبول الزواج ممن أحبته بعد أن علمت أنه لم يتقدم لها إلا لينتقم من أخرى أصرت على رفضه!
لم يكن بمقدورها الزواج لمجرد الزواج، ولم تقتنع أبدا بالمثل القائل "ظل رجل ولا ظل حائط" والذي طبقته أختها مثل كثيرمن الفتيات للحاق بقطار الزواج، كما لم تقنعها أبدا تحليلات السادة الخبراء والمسئولين لأزمة ارتفاع عدد العوانس في مصر مسلّمين دائما بأن السبب هو مغالاة أهالي الفتيات في المهور والطلبات الأخرى كالأثاث والشبكة والمؤخر وخلافه... لم تقتنع يوما بكل ذلك، فهي على ثقة أن الأزمة في حقيقتها أزمة مشاعر... أزمة ثقة، وأن الكثيرات مثلها كن على استعداد للزواج بأبسط الإمكانات المادية إذا وجدن من يقدرهن ويحتوي مشاعرهن، ويرى ضعفهن واحتياجهن المختفيان خلف الشخصية القوية والتعليم العالي والوظيفة المرموقة.
وأفاقت من شرودها مرة أخرى بعد فترة على صوت بطل الفيلم الكوميدي القديم المذاع بإحدى القنوات وهو يقول للراحلة زينات صدقي: "اتفضلي اقعدي يا مدام" لتصرخ زينات في وجهه بحدة: "مدموزيل من فضلك!!".
وانطلقت من صدر "نور" ضحكة عالية ممزوجة بالدموع والمرارة.

السبت، 8 نوفمبر 2008

عن السعادة

الصديق محمد غالية صاحب مدونة (هل تبحث عن السعادة؟) يواصل ممارسة مهام مدونته، وألقى بمجموعة من الأسئلة عن السعادة طالبا من كل أصدقائه – وأنا منهم لحسن حظي – الإجابة عنها. والواقع أن الأسئلة رغم بساطتها الظاهرية، إلا أن الإجابة عنها ستحمل فلسفة كاملة للحياة. وعلى أية حال فلنبدأ الإجابة والله المستعان:
السؤال الأول: ماهى السعادة من وجهة نظرك؟
دعونا نفصل في البداية بين مفهومين: السعادة، والراحة. الراحة هي عامل قد يسهم في شعور الإنسان بالسعادة لكنها لا تكفي وحدها لتحقيقها، بينما السعادة قد تتحقق في بعض الأحيان والظروف دون توافر عوامل الراحة والرفاهية التي تحققها المادة مثلا، لكن غياب الراحة قد يمنع بعض الناس من الاستمتاع بهذه السعادة رغم وجودها. وبالنسبة لي السعادة هي إحساس الفرد بأنه كالزهرة المتفتحة في كامل بهائها وجمالها.. كالفراشة بهيجة الألوان وهي ترفرف بجناحيها في حرية. إحساس يرغب الإنسان دائما في الاستزادة منه والاستمتاع به حتى آخر قطرة، لكنه – كالزهرة والفراشة – قصير العمر يمضى بسرعة كالنسيم العليل الذي يهب فجأة وسط ليلة شديدة الحرارة، ولذلك يجب أن نعيش لحظته ونستمتع بها لأننا لا ندري بمنتهى البساطة إن كانت هناك لحظة أخرى أم لا.
السؤال الثانى: كيف تصل إلى السعادة؟
في رأيي أن الإنسان لا يدري تحديدا ما هو الطريق الذي يجب أن يسلكه ليصل إلى السعادة، ففي كثير من الأحيان نسعى بكل قوتنا خلف شيء ما أو أمر ما متصورين أن به سعادتنا، بينما الحقيقة أنه يحمل شقاءنا دون أن ندري... تماما كالفراشة التي تسعى بكامل طاقتها للوصول إلى النور، وتطارده بكل ما أوتيت من قوة ليكتمل وجودها وتتحقق ذاتها، وعندما تصل إليه تفاجأ أنه نار تحرقها وتقضي على آمالها. في ظني أننا قد نجد سعادتنا الحقيقية في شيء آخر غير هدفنا الأصلي. لذلك فأنا أرى أن الإنسان يجب أن ينظر دائما إلى ما في يده، وما استطاع بالفعل تحقيقه ويدرك ماهيته ويشعر بقيمته، وهنا سيسعد ويرضى، لكن إذا أمضى أيامه في البكاء على ما كان يظن أن به سعادته ولم يستطع يوما تحقيقه سيدخل في دائرة من الحسرة والتعاسة بينما السعادة الحقيقية بين يديه ولا يشعر بها.

السؤال الثالث: هل السعادة وهم أم أنها حلم صعب؟
هناك لحظات من السعادة يمكن لكل منا أن يشعر بها، وينتزعها انتزاعا من الأيام مهما كانت أحزانه، وصعوبات حياته، وعن نفسي أشعر بكل السعادة عند مساعدة الآخرين وإسعادهم... أو عندما أتطلع لوجه طفل بريء يبتسم لي دون أن يعرفني، أو يطبق بأصابعه الصغيرة الرائعة على كفي... يسعدني أيما سعادة التطلع إلى صديقي القمر، وهو بدر في السماء يرافق خطواتي أينما كنت كأنما يطمئن عليّ ويسهر على راحتي، ويمنحني الأمل في وجود النور حتى وإن كان بعيدا... يسعدني تقبيل كف أمي لأعبر لها عن القليل جدا من امتناني العميق لكل ما بذلته وتبذله من أجلي أنا وإخوتي، وأسعد بلا شك كلما قدرني الله على أداء صلاة الفجر في وقتها، حيث يغمرني إحساس لا يمكنني وصفه. كل هذه اللحظات وغيرها حقيقية ومتاحة لنا جميعا، وإن كان أغلبنا غافل عن إدراكها والاستمتاع بها، لانشغالنا الرهيب بمطاردة أهدافنا التي نؤمن أنها ستحقق لنا سعادة طويلة الأمد. إذن فالسعادة ليست وهم بجميع المقاييس، إنما هي نوعان: سعادة لحظية متاحة لنا جميعا، وسعادة طويلة الأمد هي بمثابة الحلم الصعب الذي علينا السعي لتحقيقه، وقد نصل أولا.
السؤال الرابع: هل السعادة طريق للنجاح؟ وضح؟
نعم، أرى أن السعادة طريق للنجاح، وليس العكس، لأن السعادة تبعث في أرواحنا طاقة لا حدود لها، وتمنحنا دافعا للحصول على المزيد منها، وإكمال أركانها بالنجاح في حياتنا، وعملنا وعلاقاتنا مع الآخرين، وهنا يولد النجاح المزيد من السعادة الموجودة بالفعل. بينما قد يقابلك النجاح وأنت من داخلك حزين ووحيد، فلا تشعر بقيمته، ولا تفرح به، وتفقد متعة تحقيق هدفك لعدم وجود من يشاركك فرحة هذا النجاح، ويمنحك الدافع لمواصلته وتحقيق المزيد منه.
السؤال الخامس: ماهى أكثر اللحظات التى شعرت فيها بالسعادة؟
من أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة بلا مبالغة كان يوم عيد ميلادي الذي مر منذ أيام، وكان ذلك بفضل أصدقاء مخلصين فاجأوني بحبهم واهتمامهم، واحتفلوا بي احتفالا لم أتوقعه، وإنما كنت في أمس الحاجة إليه، وفي أمس الحاجة للشعور بأن هناك من تذكرني وتحمل التعب والمشقة لرسم ابتسامة حقيقية على وجهي.. حقيقية لأنها لم تكن سوى إنعكاسا لابتسامة قلبي في هذه اللحظة... فشكرا لكم جميعا يا أصدقائي، ولا شك أنكم تعلمون كم أحبكم.
السؤال السادس:هل ممكن أن تحقق كل شىء؟
الكمال لله وحده، ولايمكن لإنسان مهما كان أن يحقق كل شيء، لكن في حياة كل منا هناك شيء ما إذا أنعم الله علينا وتحقق نشعر وقتها أننا قد حققنا كل شيء وملكنا الدنيا وما عليها.
السؤال السابع: هل تجعلك السعادة مقبلا على الحياة؟
بالتأكيد، وقد أوضحت ذلك في العلاقة بين السعادة والنجاح.
السؤال الثامن: هل أحسست يوما انك وصلت لقمة السعادة؟
ليس بعد، لكن أملي في الله لا ينقطع، وأعلم أن رجائي فيه لن يخيب.
السؤال التاسع: لماذا تمر أوقات السعادة بسرعة؟
حتى نشعر بقيمتها، ونقدرها حق قدرها، فمن طبيعة الإنسان الاعتياد على الأشياء والأوضاع إذا دام وجودها، ومع الاعتياد يشعر بالملل، ويفقد القدرة على التقدير، ومن هنا تمر السعادة أمامنا بسرعة حتى لا نمل منها ونفقد الاستمتاع بها، ونتعلم ألا نضيع لحظاتها القصيرة هباء.

السؤال العاشر: هل ترى السعادة فى التدين؟
الدين بالنسبة لي هو منهج كامل للحياة، ومجرد التزام الإنسان قدر الإمكان بأوامر ونواهي دينه في أسلوب حياته يمنحه شعورا داخليا بالرضى عن نفسه، حتى وإن كان يحيا في شقاء وألم، لأن بداخله الثقة في أن الله لن يتركه ولن يضيع عمله الطيب أبدا، وحتى إن لم يجد السعادة في الدنيا، فتدينه سيكون بلا شك طريقه للسعادة الأبدية في الجنة بإذن الله.
السؤال الحادى عشر: هل أنت متفائل وعندك أمل؟ وضح؟
هناك قول مأثور يقول "الأمل كلمة كتبها الله على جبين كل إنسان" وطالما آمنا بوجود الله سيظل الأمل بداخلنا باقيا كالشمعة التي يتوهج ضوءها لحظات، ويضعف لحظات أخرى، لكنه أبدا موجود. وهذا لا يمنع أنه في أحيان كثيرة تكرار الشعور بخيبة الأمل يجعل الإنسان يلجأ لحيلة دفاعية هي توقع الأسوأ لحماية النفس من الشعور المدمر الذي ينتج عن تعليق الأمل على شيء ما أو شخص ما ثم يتضح العكس، وعن نفسي أعترف أني منذ زمن أتبع هذه الحيلة لتخفيف الألم عند خيبة الأمل.
السؤال الثانى عشر: إذا شعرت بالحزن ماذا تفعل؟
إذا شعرت بالحزن أصمت وأميل للابتعاد عن الآخرين، حتى أتجنب أكثر سؤال أكرهه في حياتي: ماذا بك؟، وتتردد بداخلي الآية الكريمة: "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا".
السؤال الثالث عشر: هل يستمر معك الحزن فترة أم ينقضى فى الحال؟
للأسف يستمر الحزن معي لفترة، بل قد تتراكم الأحزان فوق بعضها البعض أحيانا، لكن الحياة تمضي، ومن حين لآخر تأتي ابتسامة لتمحو الأحزان، وتمنح القلب القدرة على مواصلة السير.
السؤال الرابع عشر: ما رأيك فى الأفراد المتشائمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم "إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" صدق الله العظيم

مع جزيل الشكر للصديق محمد غالية، وأرجو معذرته لتأخري في الرد.

السبت، 1 نوفمبر 2008

ليست زهرتي



منذ طفولتي وأنا أحمل عشقا خاصا للزهور، فكنت كلما مررت أمام بائع الزهور في طريقي إلى مدرستي الإبتدائية، أقف في انبهار كامل لأتأمل مدى جمال ورقة الزهور المختلفة الأنواع والأشكال والألوان، وكلا منها تحمل توقيع الخالق العظيم الذي لا يستطيع أبرع الفنانين سوى أن يقف عاجزا أمام روعة إبداعه.
ورغم اهتمامي بالزهور، إلا إنني لم اشتر زهرة واحدة طوال حياتي، ففي طفولتي كنت أفضل رؤية الزهور وهي في كامل رونقها عند البائع، وأرفض شراءها لأنني أعلم أني لن أستطيع رعايتها كما يجب وسرعان ما ستذبل ويذهب جمالها، ولن أحتمل حزني حينذاك!
وعندما كبرت، ظللت علي إصراري بعدم شراء الزهور- رغم ازدياد تعلقي بها-لأنها أصبحت تحمل لي دلالة أكبر وأعمق من مجرد رقتها وجمالها، وإبداع تكوينها...
أصبحت بالنسبة لي الرسالة التي انتظر بشوق ولهفة أن تصلني من الإنسان الذي يختاره قلبي ليخبرني بواسطتها عن كم الحب الذي يحمله لي.
وأصبحت نظراتي للزهور كلما مررت أمام بائعها في طريقي إلى الجامعة، تحمل إلي جانب الانبهار، اللهفة والشوق والأمل خاصة بعد أن التقيت بذلك الإنسان الذي طالما حلمت به، وهو زميلي بالجامعة.
لم يكن بيننا أي شيء سوى تبادل الحوارات العادية كأي زميلين، حتى أننى لم أكن أحادثه بمفردي، بل كنت دائماً أصطحب معي زميلتي المقربة لي لكي لا أشعر بالخجل من محادثته بفردي... مجرد مراقبته وهو يتحدث بكل خفة ظله وثقته بنفسه كانت تحمل لي كل المتعة!
و مع كل يوم يمر كانت العلاقة بين ثلاثتنا تتوطد أكثر وأكثر، وكان الأمل والشوق في نظرتي للزهور يزداد أكثر وأكثر!
وأصبح كل منا يعرف كل شئ عن الآخر، وكلما ازدادت معرفتي به، كلما ازدادت مشاعري نحوه ، حتى أصبح حبه يسري في كل قطرة من دمي، و ازداد شوقي لليوم الذي يصارحني فيه بمشاعره، وأحصل علي زهرتي التي لا أتمنى في عمري كله أكثر منها!
وفي أحد الأيام، وأنا في طريقي للكلية، وجدته متوقفا عند بائع الزهور، وكدت أتقافز من الفرح عندما اشترى من البائع زهرة حمراء لم أر في حياتي أجمل منها في تفتحها، والندى الذي يبرق علي أوراقها كقطرات من الفضة المتلألئة!
و تذكرت فجأة أن اليوم هو عيد ميلادي!
إذن لابد أنه قد اشترى هذه الوردة ليقدمها لي في عيد ميلادي.. وامتلأ كياني كله بالسرور حتى لقد أحسست أنني أكاد أطير في السحاب من فرط السعادة!
وكان من الطبيعي أن يسبقني هو إلي الكلية، بعد أن تباطأت خطواتي كثيراً لأني كنت غارقة في أحلامي!
وعندما وصلت حاولت التحكم في مشاعري وانفعالاتي قدر الإمكان، وتوجهت إلى زميلتي الحبيبة لألقي عليها تحية الصباح وأنا أحمل علي وجهي ابتسامة أخبرتني هي أنها تضفي علي وجهي بهاءً و ضياءً لم تر لهما مثيلاً.
وقبل أن تبدأ في استجوابي عن سبب سعادتي البالغة- بالخبث الأنثوي المعهود- لمحته بطرف عيني يتجه إلينا وهو يحمل زهرتي بين يديه، واحمر وجهي خجلا حتى بات ينافس احمرار الزهرة، وأنا أراه يتقدم منا بخطوات ثابتة، وهو يمد يده بالزهرة ...
وفجأة.. تحول خجلي إلي دهشة واستنكار، وتراجعت خطوتين إلي الوراء من فرط المفاجأة، عندما مد يده بالزهرة إلى صديقتي وقال لها و عيناه تحملان كل الحب:
- كل عام و أنت بخير .. اليوم هو عيد الحب !
فتصاعدت حمرة الخجل إلي وجهها، وقالت وهي تتناول منه الزهرة:
- كل عام و أنت بخير.. أشكرك . إنها أجمل زهرة رأيتها في حياتي!
ثم همست له:
- لقد أحرجتني أمام صديقتي.
فوجدته يلتفت ناحيتي قائلاً، وهو يحمل علي شفتيه ابتسامته التي طالما عشقتها:
- إنها ليست غريبة ، لن نخفي عنها شيئا...
ثم وجه إليّ الحديث:
- إنني أحب صديقتك هذه ، وسأتقدم لخطبتها في الإجازة الصيفية إن شاء الله.
فرددت، وأنا لا أدري كيف استطعت إخراج الكلمات:
- ألف مبروك! .. إنني في غاية السعادة من أجلكما!
وانسحبت، وقد تذكرت أن تاريخ ميلادي هو نفسه يوم عيد الحب!
وأدركت أخيرا ما سر ارتباطي بالزهور، ففي هذه اللحظة كنت زهرة متفتحة مليئة بالبهجة، قطفتها يد قاسية لا لتستمتع برحيقها، ولكن لتسحقها بمنتهى القسوة تاركة إياها وقد تحولت لأوراق متناثرة علي الأرض، وقلب محطم!
كما أدركت أيضا أن تلك الزهرة الجميلة ....
ليست زهرتي!!