تابعوني على فيس بوك

الخميس، 25 يوليو 2019

أدوار لا أنساها لفاروق الفيشاوي

لن أتحدث هنا عن الحياة الشخصية أو المواقف السياسية للفنان الراحل فاروق الفيشاوي، فهي أمور تخصه وحده، لكني سأتحدث فيما يخصني، ويخصنا جميعا كمشاهدين لفنه، الذي امتد مشواره لأكثر من 40 عام.
شارك الفيشاوي الكبير على مدار مسيرته الفنية في أكثر من 130 عملا سينمائيا وتليفزيونيا، بالإضافة إلى حوالي 14 عملا مسرحيا.
اشتهر بشكل كبير بأداء دور النصاب أو الغادر أو الجاحد، وتكررت أدواره بشكل كبير على هذا المنوال، وربما كان ذلك لنجاحه الكبير وبراعته فيها، وفي هذه المنطقة من الأداء أذكر له على وجه الخصوص دور (أمين المنزلاوي) في مسلسل ليلة القبض على فاطمة عام 1982، وشخصية (مراد) في فيلم درب الهوى عام 1983، وكذلك شخصية (سنقر) في مسلسل الحاوي عام 1997. براعة الفيشاوي في أداء مثل هذه الشخصيات، جعلت المخرجين يرشحونه أولا لمثل هذه الأدوار، فأصبح له رصيد الأسد منها، لكنه ظل دائما يقدم كل شخصية منها بشكل متميز عن ما قدمه من قبل.
لكني أحببته أكثر في المرات التي حاول فيها تغيير جلده، وتقديم شخصيات مختلفة، تخطف عين المشاهد، وتستقر في قلبه، وتظهر مدى براعته هو كممثل، بعيدا عن القالب الذي انحصر فيه معظم الوقت، فلا أنسى له أبدا دوره في فيلم الجراج مع الفنانة نجلاء فتحي عام 1995. كان (عبد الله) سايس الجراج االأبكم - الأصم الذي يحب زميلته المسكينة (نعيمة) صاحبة العيال والتي حكم عليها المرض بالموت، فيقف بجوارها وبجوار أولادها، ويعدها بالاطمئنان عليهم بعد وفاتها. قدم الفيشاوي هذا الدور دون أن ينطق بكلمة، وبنجاح مبهر، حيث نجح في توصيل كل مشاعر الحب والإخلاص والشهامة وحتى ألم الفراق في صمت لايقطعه سوى همهمات غير مفهومة.
وعلى نفس الوتيرة، برع الفيشاوي في تقديم دور (خلف الدخاخني) المعاق ذهنيا بنجاح مدهش في فيلم (ديك البرابر) عام 1992، حتى أنه سرق الكاميرا تماما من النجمة نبيلة عبيد بطلة الفيلم، وجعل المشاهدين يصدقون أنه طفل في جسم إنسان بالغ، يحب زوجته بصدق، ويدافع عنها لدرجة تجعله يقتل والده لحمايتها والاحتفاظ بها إلى جواره.
في أداء الشخصيات النبيلة، نجح الفيشاوي أيضا ببراعة، وجعل قلوب المشاهدين تتعلق به وتتابع مغامراته بشغف عندما أدى عام 1985 شخصية (علي الزيبق) في المسلسل الشهير الذي حمل نفس الاسم، وكذلك عندما قدم عام 1986 في مسلسل (غوايش) شخصية (حسانين) الصعيدي المتعلم ابن العائلة الكبيرة الهارب من الثائر، والذي يقع في غرام (غوايش) فتاة المولد، ويدافع عن حبه لها حتى النهاية.
لا أنسى له كذلك دور (يوسف) الأب الإسرائيلي في فيلم (فتاة من إسرائيل) عام 1999 أمام العملاق محمود ياسين متعه الله بالصحة. أدى الفيشاوي هذا الدور بشكل يختلف عن القالب الهزلي المتعارف عليه لشخصية اليهودي والذي طالما طالعنا في الأفلام العربية (أخنف، بأنف معقوف، بخيل، يقوم بحركات مضحكة بعضلات وجهه)، فهو هنا كان الأستاذ الجامعي الوسيم المثقف الهاديء المتحدث من منطلق العقلية الصهيونية التي تدعي حب السلام وتسعى جاهدة للتطبيع وفرض وجودها على العرب عامة، وعلى المصريين خاصة.
كان الفيشاوي مميزا أيضا في أداء دور (بكر) راقص التنورة الصوفي في فيلم (ألوان السما السبعة)... شخصية فنان مرهف الحس يحكم على الناس من خلال أرواحهم أولا، وليس من خلال ماضيهم.
ما تحدثت عنه هنا ليس سوى قطرة من سيل، في مشوار فنان من العيار الثقيل، لم يأخذ ما يستحقه من التكريم والتقييم الفني الإيجابي، لأن الأضواء كانت متركزة دوما على حياته الشخصية الصاخبة ومواقفه السياسية الشجاعة.
رحم الله الفنان فاروق الفيشاوي.

ليست هناك تعليقات: