تابعوني على فيس بوك

السبت، 18 أكتوبر 2008

حسابات الحب




فتحت "رشيدة" بريدها الإليكتروني في لهفة باحثة عن الرسالة التي ترجو وصولها منذ أيام، وبمجرد أن رأتها في صندوق الوارد تضاربت مشاعرها بين الرغبة في قراءتها فورا، وبين الخوف مما قد تحتويه، ولم تلبث أن نقرت عليها مرتين في تردد، لتنفتح:


عزيزتي "رشيدة"

نزولا على رغبتك الملحة في الحصول على رد على كل الرسائل التي كتبتها لي بعد لقائنا الأخيرلإقناعي باستمرار صداقتنا، ها أنا ذا أكتب إليك رغم أن الصمت يكون أبلغ كثيرا من الكلام في مثل هذه الظروف لأن رد المجروح يكون في أغلب الأحيان قاسيا قدر جرحه.
دعيني أقول أن رد فعلك لم يفاجئني مطلقا بل كنت أتوقعه ومنذ زمن، يمكنك القول أن أسلوبك المنظم لدرجة مرعبة في تحليل كل شيء، ووضع نسب محددة للمكسب والخسارة، والجدوى وعدم الجدوى والالتزام بخطوات مدروسة في كل أمور حياتك، حتى إنك تريدين اختيار الوقت المناسب للإحساس بالحب بعد أن تحققي قدرا كبيرا من طموحاتك العملية، كل ذلك جعلني أعرف الإجابة مسبقا، وإن احتجت ايضا لسماعها منك!!!
للأسف نسيتِ أن هناك أشياء في الحياة لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تحديدها بمواعيد أو إخضاعها للحسابات، ولا تظني أنه إذا جاءك الحب اليوم وركلته بقدميك، أنك ستجدينه يوم أن تكوني في أمس الحاجة اليه، وعندما تكوني قد حققت كل طموحاتك التي تسعين خلفها اولاً.
قد تتساءلين: ما الذي جعلني أواجهك و أطالبك بإجابة مباشرة رغم علمي المسبق بها؟
يمكنك القول أن مشاعري نحوك ونسبة ضئيلة من الأمل بداخلي دفعتني للتعلق بالوهم والسعي وراء الحصول على إجابة صريحة تنهي حالة الشك الموجودة بداخلي: أتشعر بي أم لا؟ ماذا أكون بالنسبة لها؟... وغيرها من الأسئلة التي ظلت ترتع بداخلي طوال مدة صداقتنا، وكان لابد أن أحسم أمري وأواجهك بتساؤلاتي...
و كعادتك حللت الأمر بشكل غاية في النظام والتنسيق وكان ردك عبارة عن تقرير اتضح منه أنك لم تشعري بي قط إلا كصديق وأخ، وأن لقاءاتنا المباشرة لم تكن عديدة بالشكل الكافي لنقترب أكثر، نظرا لظروف عملي التي تتطلب مني السفر خارج المدينة لفترات طويلة، ولذا تقتصر وسيلة الاتصال بيننا على رسائل البريد الإليكتروني التي نتبادلها. نفس منطق البعيد عن العين بعيد عن القلب الذي لم أبغض في حياتي كما أبغضه.
عن نفسي أؤمن يا عزيزتي أن القلب لا يحتاج للرؤية أو السمع كي يحب، فقد تعاشرين إنسانا طيلة عمرك ترينه وتسمعين صوته كل يوم دون أن تشعري به للحظة، في حين قد تستكين روحك لاخر وتعشقينه دون أن ترينه سوى مرات معدودة ، ودون أن يفرق معك ما شكله؟ ماذا يعمل وأين يعيش؟ فقد أصبح جزءا منك وتوحدت روحك بروحه .
دعينا من كل ذلك فكل الكلمات لن تغير من الواقع شيئا الآن .. لقد انسقت خلف إحساسي رغم إدراكي عدم وجود مقابل له لديك، وكنت أخشى دائما أن أعلن لك عن مشاعري لعلمي أن ذلك سيجعلني أخسر كل شيء: الحب الذي طالما تمنيته، والصديقة الوحيدة لي، الإنسانة التي أطلعتها على كل خبايا نفسي بشكل لم أكن أبدا لأفعله مع أي شخص أتعامل معه مباشرة في الحياة اليومية، الإنسانة التي ظننتها مختلفة، أو حبي صور لي ذلك، وجعلني أكذب عقلي!
والآن ... أتدرين لماذا لا يمكن لصداقتنا أن تستمر؟ لأن المشاعر الإنسانية يا عزيزتي لا يمكن فصلها، ولأن الصداقة بين الرجل والمرأة إذا وصلت لهذه الدرجة من الشفافية والقوة التي وصلنا إليها، فإنها ترتقي وتتطور لتصبح جزءا من علاقة أكبر هي الضامن الوحيد لاستمرار هذه الصداقة.
أما إذا تجمدت من أحد الطرفين وظلت على وضعها فإن ذلك سيخلق عدم توازن فظيع كفيل بتدمير الأمر كله من أساسه، دعيني أسألك : الآن وقد علمت باهتمامي الخاص بك هل يمكنك أن تصارحيني كصديق إذا قابلت يوما من ملك قلبك؟ بالطبع لا، لأن حساسية الموقف ستمنع ذلك، بل السؤال الأبسط من ذلك هل يمكن لصداقتنا أن تستمر إذا ارتبط كل منا بآخر؟ أعتقد أنه لم يخلق بعد الرجل أو المرأة اللذان يقبلان أن يشاركهما أحد في اهتمام ومشاعر رفيق حياتهما.
والأهم من كل ذلك هو أنني لست علي استعداد لإضاعة أعوام أخرى من عمري على أمل أن يشعر بي قلب لا يملك البصيرة الكافية ليرى ويشعر ويفهم، وإلا لكان قد فعل منذ البداية. يجب عليّ أن أتعلم النسيان وأن أنظر حولي ربما كانت هناك من تستحق حبي الذي لم يجد تقديرا لديك.
أتركك الآن في رعاية الله، و صدقيني لا يوجد بداخلي أي ضغينة نحوك، كل ما أرجوه هو أن تتفهمي الموقف الذي يحتم عليّ الابتعاد.
الوداع

عصام
تجمدت "رشيدة" في مكانها بعد أن انتهت من قراءة الرسالة وأخذت تفكر قليلا، وهي تشعر أنها قد خسرت صديقها الوحيد المخلص، والإنسان الذي أحبها حبا كبيرا كما علمت، واعترفت لنفسها أنها تحمل له أيضا بعض المشاعر الجميلة، ثم لم يلبث طموحها أن تغلب على ضعفها، وعلا صوته ليؤكد لها أن مستقبلها العملي وأحلامها بأن تصبح أصغر مديرة في محل عملها، أهم كثيرا في هذه المرحلة من الحب والزواج اللذين سيعطلانها ولا شك عن تحقيق أهدافها.
وأغلقت بريدها الإليكتروني ونهضت في حسم، لتعلن انتصار الحسابات... على الحب.

هناك 17 تعليقًا:

غير معرف يقول...

:)
Hello ya Rosa !
the story is really nice, I hope to see more of this from you!
the nice thing is to keep trying ya rosa :)

See you soon

احساس لسه حى يقول...

عزيزتى

لم ولن تنتصر الحسابات على الحب

لاكنها لم تحب فانا اؤكد لكى

ان المرأه اذا احبت حبتا صادقا وحقيقيا لاينتصر اى شئ على حبها

فالحب كل شئ بالنسبة للمراه

الرجل يمكن ان يكون الحب جزئ من حياته

لاكن المراه لا

فلو كانت تحبه فكان لابد ان ينتصر الحب

تحياتى
سلام

كـــيــــــــارا يقول...

عن نفسي أؤمن يا عزيزتي أن القلب لا يحتاج للرؤية أو السمع كي يحب، فقد تعاشرين إنسانا طيلة عمرك ترينه وتسمعين صوته كل يوم دون أن تشعري به للحظة، في حين قد تستكين روحك لاخر وتعشقينه دون أن ترينه سوى مرات معدودة ، ودون أن يفرق معك ما شكله؟ ماذا يعمل وأين يعيش؟ فقد أصبح جزءا منك وتوحدت روحك بروحه

-------

ده الحب بجد

هي خسرت كل شي

لان بعد الحب مفيش انتصار وبكره هتندم

(صندوق الدنيا) يقول...

أسلوبك في الكتابة شيق
ويبدو أنها لن تكون زيارة عابرة
تحياتي أيتها الوردة البيضاء
ولنا عودة بإذن الله

mohamed ghalia يقول...

القلب لا يحتاج للرؤية أو السمع كي يحب، فقد تعاشرين إنسانا طيلة عمرك ترينه وتسمعين صوته كل يوم دون أن تشعري به .
الحسابات صعب تتغلب على الحب
دى أحوال نادرة قوى
تقبلى تحياتى
اسلوب رائع

اقصوصه يقول...

في ناس تطغى عندها العاطفه على العقل
وفي ناس يطغى عندها العقل ع العاطفه
بس اانا من وجهة نظري ان الانسان يوم حب حقيقي..ما يقدر يتحكم بمشاعره اكيد:)

فارس بلا جواد يقول...

السلام عليكم
اول زياره واكيد مش الاخيره
مدونه رائعه
بوست مميز
بس احب اقول حاجه
الحب دائما يعلو فوق اى شئ
تحياتى

انت تسال والكمبيوتر يجيب يقول...

الأخت العزيزه الورده البيضا
ايه رايك لو اعددنا حلقه من قصة رساله بالبريد الألكترونى؟
وعاوزين رايك فى بوست جديد بعنوان لعب وحب وجد وقتل
salah h: http://netonradio.blogspot.com

الوردة البيضا يقول...

أحمد يا صديقي
أهلا بيك في بيتك، ويارب يخليك ليا دايما وتشجعني

الوردة البيضا يقول...

إحساس لسه حي
للأسف يا صديقي الرومانسي جدا- كما يبدو من أسلوبك - الحب أصبح في آخر قائمة الأولويات بالنسبة للكثير جدا من الرجال والفتيات، وأصحاب القلوب الكبيرة الشفافة مثل بطل هذه القصة كتبت عليهم المعاناة لأنهم أقلية في هذا الزمان
شكرا على مرورك وأرجو تنورنا دايما

الوردة البيضا يقول...

كيارا
أهلا بك يا عزيزيتي، ومعاكي حق هي فعلا خسرت، لكني أشك أن هذه النوعية من البشر تعرف معنى الندم
تحياتي لك

الوردة البيضا يقول...

أم البنبن
أشكرك وانتظر تشريفك لي مرات ومرات

الوردة البيضا يقول...

الأستاذ محمد غالية
زيارتك دايما بتسعدني
ومرسي على كلماتك الرقيقة
تحياتي

الوردة البيضا يقول...

أقصوصة
شكرا على مرورك وعلى رأيك
شرفتنا

الوردة البيضا يقول...

فارس بلا جواد
أنا كمان رأيي ان الحب يعلو فوق كل شيء.
أنا كمان أتمنى أن تتكرر زياراتك وأشكرك على تشجيعك
تمنياتي لك بالتوفيق

الوردة البيضا يقول...

كايرو كمبيوتر
الف شكر يا أستاذ صلاح على زيارتك التانية ليا، وطبعا يشرفني ان قصتي تكون موضوع لإحدى حلقات البرنامج.
وقد دخلت بالفعل للتعليق على بوست لعب وحب وجد وقتل
تحياتي وشكري

Elassal يقول...

علا تفوقت علي نفسك هايل
لكن للاسف ما تكتبينه فى غاية الواقعيه
يحدث كل يوم نفقد من نحب بلا اسباب