تابعوني على فيس بوك

الجمعة، 10 يوليو 2009

السؤال الحائر



تركت أهلها يجلسون على أحد شواطيء مطروح الجميلة، وارتدت قبعتها وثبتت سماعات الـ MP3 في أذنيها، ثم أدارت ظهرها للشمس الساطعة، واتخذت طريقها بمحاذاة البحر كعادتها في كل يوم من أيام المصيف.
أخذت تضرب الرمال الناعمة النظيفة بقدميها، وتتأمل المياه الصافية الشفافة في إعجاب وانبهار، بينما يختلط صوت الأمواج العالي بصوت فيروز الملائكي في أذنيها ليصنعا معا سيمفونية خالدة.
تجاوزت في سيرها تقريبا كل المقاعد والشمسيات والأجساد، وهي تتأمل المياه وتسبح عظمة الخالق العظيم تارة، أو تلعب بقدميها مع الأمواج في محاولة للإحساس بالمرح تارة أخرى حتى وجدت أثناء سيرها صخرة كبيرة منفردة على طرف المياه ولا أحد حولها على مرمى البصر، فجلست.
انتهت فيروز من شدوها، ليعلو صوت أفكار الفتاة الذي طالما اجتهدت لإسكاته.....
قفز إلى ذهنها وجه من الماضي... لم تره منذ سنوات عديدة، لكنه لم ينمح أبدا من ذاكرتها بسمرته المحببة، وشموخه وكبريائه...
لم تتوقف لحظة عن الانبهار به والنظر إليه كبطل طوال الفترة التي عرفته خلالها، لكنها لم تجرؤ أبدا على التصريح بذلك، وظلت معرفتهما سطحية حتى انتهت الظروف جمعتهما معا.
كانت وقتها تمر بظروف نفسية واجتماعية تضغط على أعصابها بشدة وتجعلها بحاجة لمن يبادر باقتحامها ومحو حزنها، وكانت تعلم في الوقت نفسه أن شخصا في ظروفه في الغالب سينتظر من تقترب منه وتعلن اهتمامها، ولكم فكرت في ذلك، لكنها خشيت أن يسيء فهمها ... أن يظن أن اهتمامها ليس سوى إشفاق أو إعجاب بإصراره، أو أن ينظر إليها باعتبار أنها تريد استغلاله أو تطمح في أن تقرن اسمها بما حققه هو من نجاح. وكانت دوافعها أبعد ما تكون عن كل ذلك...
كانت بحاجة لقوته التي قد يراها الآخرون ضعفا... كانت تستمد منه تلك القوة وذلك الإصرار على الحياة والنجاح رغم عدم التواصل بينهما... رؤيته كانت دائما تمنحها دفعة للأمام وتساعدها على احتمال كل الظروف الصعبة التي تحيط بها، وتحفزها لتخطيها وتحويلها للأفضل.
كم عانت من غدر الآخرين وبرود مشاعرهم وتحجر قلوبهم... وفي رؤيته كانت ينابيع الحنان تتفجر في قلبها... كانت تشعر أنه قد يكون في أمس الحاجة للحب والحنان والتقدير، مثلها تماما، وأنه قد يختلف عن الآخرين لأنه كبير وعظيم من داخله، ومثله بالتأكيد سيقدر من يحبه ويحمله بقلبه طوال عمره... هكذا كانت تراه.
لن تنسى أبدا يوما رأت فيه أحد عكازيه يسقط فجأة ليفقد هو توازنه ويسقط على الأرض... يومها كادت صرخة عالية تفلت من بين شفتيها وهي تتمنى لو كانت هي عكازه الذي لا يميل به أبدا، ولا يتخلى عنه لحظة واحدة، واندفعت إليه وحاولت معاونته، إلا أن خجله وكبرياؤه منعاه من أن يرى اهتمامها وجزعها الحقيقي عليه... وقبل أن تصل يدها إليه لتعاونه على الوقوف، وجدته يتناول عكازيه ويستعيد توازنه بسرعة ورشاقة ليقف شامخا شاكرا إياها ، ومكملا طريقه في عجلة!
بعد مضي بضع سنوات كانت ظروفها قد تحسنت قليلا، لكنها كانت لا تزال على أول درجات سلم النجاح الذي رسمته لنفسها، وكانت المعاناة لا تزال تحفر ملامحها على وجهها عندما قابلته صدفة في محطة مصر، حيث توقف وسلم عليها وسألها عن أحوالها. كانت في منتهى السعادة لأنه لا يزال يذكرها، لكن ارتباكها وخجلها منعاها حتى من سؤاله عن رقم تليفونه، وسرعان ما تمنى لها كل التوفيق، وانصرف ليلحق بالقطار.
ظلت دائما تتابع أخباره من بعيد، وإن منعها الخجل دائما من سؤال أحد بشكل مباشر عن وسيلة الاتصال به، وكانت دائما تسكت صوت لهفتها بالاعتقاد أنه في الغالب قد تزوج لأن أعواما عديدة قد مضت، لكنها لم تتوقف أبدا عن الدعاء له في كل صلاة بالنجاح والتوفيق والسعادة والوصول لأعلى المناصب.
وفي أحد الأيام تقدم لخطبتها شخص ذكرها به من أول لحظة... نفس الظروف... نفس الإصرار على النجاح والاعتماد على النفس... نفس الشموخ، ولكل هذه الأسباب كان من الطبيعي أن تميل مشاعرها إليه من أول لقاء كما لو كانت تعرفه منذ زمن... تصورته بطلا كذلك الذي يحيا بداخلها منذ سنوات... رأته امتدادا له...
وسالت الدموع على وجنتيها وهي تتذكر انسحاب ذلك الخطيب بمنتهى السرعة بمجرد علمه برفض أهلها المبدئي له لظروفه... بذلت قصارى جهدها وقتها لإقناعه أنها متمسكة به لأقصى درجة، وطالبته أن يحارب معها معركتهما التي تعلم جيدا قدرتها على الانتصار فيها، فهي تعلم أن والديها في النهاية لا يريدان سوى سعادتها، وأنهما سيخضعان لرغبتها إذا تأكدا من إصرارها على المضي قدما في الأمر، وأن رفضهما لا علاقة له بشخصه، لكنه الضعف البشري الطبيعي الذي يجعلنا نتحمس أحيانا لشيء ما من بعيد أما لو اقترب منا وطلب أن يكون جزءً من حياتنا، فإننا نتراجع ونخاف من المواجهة وتحمل المسئولية.
لم يجد كل حديثها طريقا لعقله أو قلبه، وصدمها تعامله معها كمجرد عروسة، وارتباطه بأول إنسانة رحب أهلها به ثأرا لكرامته.
وانهارت كل مشاعرها آنذاك، وهي لا تدري ما الذي جنته؟، وهل هذا هو الجزاء الذي كانت تستحقه؟!
وتنهدت وهي تفكر في السؤال الذي لم يفارق ذهنها منذ ذلك الحين، ويكاد يطيح بعقلها كلما تردد داخله: لقد كان بطلها القديم هو السبب في تعلقها السريع بذلك الشخص، فيا ترى لو كانت الظروف قد سمحت لهما باللقاء والوصول لنفس النقطة، هل كان سيتخلى عنها هو الآخر بنفس الأسلوب؟ هل رسمت بداخلها بطلا خياليا ليس له وجود، وظلت تتعبد في محرابه لسنوات وهو في الحقيقة لا يستحق كل هذا الاهتمام ولا يختلف عن غيره من الرجال في شيء؟ هل فقد الجميع القدرة على التمييز بين العدو والحبيب؟!!!
ومن يومها وهي تتمنى لقاءه - ولو صدفة - لتصرح له باهتمامها القديم، ولتسأله السؤال الذي ينهشها لأنها بحاجة فعلا لمعرفة الإجابة...
مالت الشمس للغروب، فالتفتت الفتاة لتتأمل ألوان السماء الرائعة حتى سقط القرص الأحمر الناري في البحر الغامض، وهنا نهضت واتخذت طريق العودة حيث ينتظرها أهلها لمغادرة الشاطيء.
وبقي السؤال داخلها يتردد في حيرة!

هناك 31 تعليقًا:

موناليزا يقول...

ايه الجنال ده:)
تسلسل الاحداث والاسلوب فى الكتابة راع بحق
اما عن اجابة سؤالها فهو وحده من يستطيع الاجابة:)

الوردة البيضا يقول...

موناليزا العزيزة
مرسي يا قمر على الزيارة وسعيدة انها عجبتك.

غير معرف يقول...

حلو أوى يا علا.. بس اعتقد انها مش المفروض تفضل عايشه على ذكرى حد كان موجود فى الماضى.. أسوء حاجه فى الدنيا ان الانسان يوقف حياته على أشباح الماضى وحتى يوم ما يقابل حد فى الحاضر، يقارن بينه وبين اللى فات.. الأنسان ممكن يحب مره واتنين وعشره طول ما هو عايش وبيتنفس بس أهم حاجه يكون عنده المبرر الكافى لنسيان الماضى وتهميشه ومبرر أخر لأنه يحب من تانى

أحمد عاطف مجاهد

الوردة البيضا يقول...

مرسي يا احمد على الزيارة الجميلة والتعليق، وعلى فكرة أنا ضفت عنوان مدونتك عندي ضمن المدونات اللي بأتابعها عشان أقرأ جوابات عزيزة أول بأول
مبروك المدونة يا فنان

mohamed ghalia يقول...

روعة روعة روعة بجد
صياغتك للقصة هايلة
تسلم إيدك
وربنا يسعدك دايما

شيماء زايد يقول...

بجد بجد نضج المشاعر والفكار عندك يخصو بخوان واسعه
كل احترام وحب وتقدير
الله ينور يا حبيبتي

غير معرف يقول...

أنا أوافق على كلامك يا عاطف، بس القصة نفسها مكتوبة حلو ..

الوردة البيضا يقول...

الصديق محمد غالية
سعيدة جدا بزيارتك وسعيدة أكتر إن القصة عجبتك.

شكرا يا صديقي

الوردة البيضا يقول...

العزيزة شيماء زايد
مرسي يا قمر على كلامك الجميل، وشكرا على الزيارة

الوردة البيضا يقول...

الكاتب الواعد والصديق أحمد رمضان
من زمان ما علقتش على المدونة... وحشتنا تعليقاتك.
عموما مرسي على الزيارة والكلام الحلو، وبإذن الله نباركلك قريب على صدور مجموعتك القصصية الجديدة "آريا" عن دار ملامح.
بالتوفيق يا صديقي

الازهرى يقول...

القصة راااااااااااائعة

كثيراما ننجرف وراء تيارالتشابه
والأسوأ أن لا نستطيع التفرقة عندها كثيرا ما ننال طعنات أخرى توسع الجرح

ولا إجابة على السؤال إلا من الزمن

تحياتى دوما

أحــوال الهـوي يقول...

سرد قصصي بارع تدرج بنا بعد تجسيد المكان و الزمان الي مشكلة ظلت تعربد بداخل القلب الغض و تحدد الفكر في ابعاد محدودة

و لعل من الخطأ ان يصبح الدافع لموافقتها علي الخطبه انها تذكرت فيه حظيبها المرفوض

فمن عاشت به و هما و جسدته كيانا من الصعب ان يتطابق مع حقيقة ملموسه و شخصية مستقله فاذا فعلت
فقد دخلت الي دائرة مغلقه لن تجد منها فرار ومن الممكن ان تؤدي الي انهيار العلاقه قبل باها

احيي اسلوبك الجميل وولوجك الي داخل النفس البشريه بكل تعقيدتها بهذه السهولة و اليسر

تحياتي

ادم المصرى يقول...

بجد قصه جميله وسرد رائع جدا

شمس النهار يقول...

هعتب عليكي الاول
انت ليه بتغيبي كتير كده ليه

الاسلوب والاحداث خطيره
والماضي ساعات بيتحكم في الانسان بشراسه
بس الشاطر اللي يقدر يهرب منه ويحتمي بالحاضر

بجد تسلم ايدك

غير معرف يقول...

حقيقةأحتار كثيرا وأناأختار كلاما لأعلق به على هذاالجنس الأدبي الذي ينتمي للقصة القصيرةلأن موضوعه يصف للشخصية المحورية (الفتاة)والانفعالات الداخلية التي تستبد بها وقدأظهرتها الأديبة علا وكأنها كائنات حية شاخصةأمامها تدير معها البطلة حوارا هو من أصعب أنواع الحوار حيث تستنطق الخيال وتحاوره بأسلوب رومانسي بعيد عن الابتذال يذكرني برومانسية العظام أمثال محمدعبدالحليم عبدالله في رائعته شجرة اللبلاب وإحسان عبدالقدوس وغيرهما ..لا أنكر أن الرومانسية وتناولها من الصعب الخوض فيها ومعالجة موضوعاتها إلا ان الأديبة أظهرت تمكنها بما تملكه من خبرات حياتية ..للأمام ياجوهرة ..ولاتبخلي علينا بكل ما تكتبينه فهو الأصلي في زمن المسخ!

Xena يقول...

علا يا علا. أحببت قصتك جدا فسردك للأحداث سلس و لطيف. كذلك الفتاة أشعر كأنما أعرفها. الفتاة المسكينة تعاني من ما أسميه "النضج المفرط" فأعجبت بفتاهها لإصراره و عزيمته برغم عدم معرفتها الكافية به. و لا أعرف إن كانت حقا فيه تلك الصفات أم هذا ما تراه هي. كذلك رضيت بخطيبها لأنها شعرت بان هذا هو الصواب ليس لأن هذا ما تريده. أعرف أن ما تريده هي هو أن تقابل فتاها و تسأله ذلك السؤال لكن كما كتبت "لكنه الضعف البشري الطبيعي الذي يجعلنا نتحمس أحيانا لشيء ما من بعيد أما لو اقترب منا وطلب أن يكون جزءً من حياتنا، فإننا نتراجع ونخاف من المواجهة وتحمل المسئولية" و أتساءل انا ماذا إن اقتربت ولم تخف من تحمل المسئولية لكنها لم يعجبها ما رأته.

استمري يا علا في إبداعاتك
ما شاء الله

La RoSe يقول...

سلام عليكم

أزيك يا روزا
عاملة أيه؟ وحشتني كتاباتك جداً:)

حلوة أوي القصة،
أحياناً كتير بنحكم على الناس من الظاهر، ويكون الحكم خاطئ بالنهاية، لكن لازم ندي لنفسنا فرصة إثبات خطأ الحكم، ماينفعش نكيل كل الناس بنفس المكيال،

العمل معناه جميل أوي
استمري عزيزتي :)

غير معرف يقول...

حلو اوي اوي يا علا بجد قصه صغيره بس قويه جدا وانتي اسلوبك اكتر من رائع وتصويرك تحفه...
برافوا عليكي يا جميله

دعاء مجدي

أسماء علي يقول...

قصة أخذتني من البحر و الرمال النظيفة إلى تخبط النفس بكل اقتدار

دام ابداعك حقا

محمد المصرى يقول...

دى يمكن من اول زياراتى للمدونة لكن الحقيقة جذبتنى جدا القصة وعجبنى جدا احساسك فى وصف مشاعر البطلة وازاى كانت بتستمد قوتها منه وازاى حبها كان بعيد عن عيون الناس ولكنه كبير قوى فى قلبها بجد قصة رائعة وربنا يوفقك ياعلا ومنى سلام مصرى دائما

blue-wave يقول...

راااااائعه

MAY يقول...

علا .... لقد قرأتها ثلاث مرات، لا أعرف لماذا، ربما لغموضها، أو لعمقها، وقد يكون السبب لعدم ترابطها، ولكنها أعجبتني أسلوبا وتصويرا وإبداعا، ولكني كنت أتمنى لو استطعت استغلال وتوظيف بعض العناصر التصويريةوالموسيقية كالصخرة وفيروز في ربطهما بمجرى الأحداث، فلماذا لم تذكري الأغنية وتجعلينها تذكر الفتاة بالرجل الغامض؟! أو حتى تقارنين شموخ الصخرة وإنعزالها بشخصيته ااتي جذبتها في البداية، بدلا من مجرد تذكره بدون أية مقدمات منطقية وخصوصا وإنها "على حد قولك" ذهبت كعادتها في كل يوم من أيام المصيف"

ويقى السؤال الحائر: لماذا؟

سحر حامد يقول...

أسلوبك رقيق ومتسلسل كالمعتاد يا علا.. وعجبتني جداً الفكرة اللي دارت في ذهن بطلة قصتك لما تمنت أن تكون عكاز حبيبهاالذي لا يميل به، لأن فعلاً كل حبيب ينتظر من محبه أن يكون عكازه الذي لا يخذله أبداً،لكني مشفقة عليهاأن تظل سجينة الماضي وحب من طرف واحد

الازهرى يقول...

طيب لو زعلانه منى
انا اسف
ولو من حد غيرى
يبقى انا ذنبى ايه ؟

اتمنى نطمن عليكى

غير معرف يقول...

بجد روعه ونفسي نتكلم علشان عايز اشرحلك حاجه ما ينفعش اقولها هنا مش حاجه عيب ولا حرام بس خاصه

اقصوصه يقول...

جميله جدا :)

شيماء زايد يقول...

مختفيه حتي في رمضان ، غيبتك طالت شويه طمنينا

شمس النهار يقول...

ازيك
انت برضه غايبه
ليه بس الغيبه دي

كل سنه وانت طيبه وبخير وصحه وسعاده

الازهرى يقول...

شوفى بقى
على الرغم من انك متابعه كده فى الخباثه ومستخبيه
انا هاكون احسن برضه واقول
كل سنه وانت وكل احبابك بخير وسلام

شيماء زايد يقول...

??????????????????
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

ليس فقيرا من يحب يقول...

السلام عليكم

كل سنه وانتى طيبه يا حبيبتى

عيد سعيد عليكى وعلى كل حبايبك يارب

يارب تكونى بخير