تابعوني على فيس بوك

الأحد، 28 ديسمبر 2008

نظرة

كيف حالكم يا أصدقائي الأعزاء؟ أتمنى أن يكون الجميع بخير
اعتدت منذ افتتاح مدونتي العزيزة على نشر موضوع جديد كل أسبوع، لكني – وللمرة الأولى – تجاوزت هذه المرة حاجز العشرة أيام دون أن أجد الفرصة لكتابة أي شيء جديد بسبب ضغط العمل الرهيب الذي أعاني منه هذه الأيام والذي يدفعني للعمل حتى في أيام الأجازات الرسمية، إن لم يكن في المكتب ففي المنزل مع إرسال العمل الذي تم إنجازه بالإيميل. لذلك أعتذر لكم عن التأخير.
أوحشتوني جدا، ولذلك قررت أن أطل عليكم هذه الإطلالة القصيرة، لأتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا مليئا بالسعادة والخير، ولأعرض عليكم عملا قصصيا أعتبره من أول النصوص التي كانت السبب في عشقي لفن القصة القصيرة، وإدراكي لقوة تأثيره، وأهميته في عرض فكرة عميقة رغم قصر نصه. هذا العمل هو تحفة أبدعتها أصابع أمير القصة القصيرة الدكتور يوسف إدريس، وقد قرأتها للمرة الأولى في عامي الثالث الثانوي حيث كانت مقررة علينا كنموذج للإبداع في فن القصة القصيرة. منذ فترة دارت مناقشة بيني وبين صديق حاولت فيها إقناعه أن قصر النص – حتى وإن لم يكمل صفحة واحدة – لا يقلل أبدا من أهميته وإبداع كاتبه بل على العكس يؤكد هذا الإبداع في حالة نجاح الكاتب في توصيل الفكرة المطلوبة بأقل كلمات ممكنة دون الإخلال بالعناصر الأساسية للقصة التي لا تخرج عن كونها مشهدا استوقف الكاتب فقرر التقاطه ليس بآلة التصوير وإنما بالكلمات، واستشهدت وقتها بهذه القصة للتدليل على كلامي، ثم عادت القصة نفسها لتلح على ذهني من جديد مع إطلاق الحملة الإعلانية الإنسانية التي تحمل اسم "من لا يَرحم لا يُرحم". اقرأوا معي يا أصدقائي وأخبروني برأيكم.
نـــظــــــــرة


كان غربيا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا . ففوق رأسها تستقر " صينية بطاطس بالفرن " وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة . وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه، حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيرى،وأسرعت لإنقاذ الحمل .وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية .ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي. ولكنني نجحت أخيرا في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن، وكان قريبا، حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه . ولست أدري ما دار في رأسها ، فما كنت أري لها رأسا وقد حجبه الحمل. كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها، ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة "ستّي". ولم أحول عيني عنها، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين .
وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة،وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
راقبتها طويلا حتى امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة، وأخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
واستأنفت سيرها علي الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك ،وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء علي ما يرام، والحوض والصينية في أتم اعتدال، أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها، وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون .
ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها، وقبل أن تنحرف،استدارت على مهل، واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة .

هناك 23 تعليقًا:

ضــى القمــر يقول...

زيارة اول لمدونه بالفعل رائعه ..
وتعليق أعتقد انه لن يكون اول تعليق :)

اخى الكريم
أشكرك على اختيارك لهذه القصه .
فأنا ارها بالفعل قصه تحمل الكثير من المعانى .
بالغرم من قلة كلماتها . وبالرغم من بساطة فكرتها .
إلا انها اوجزت لنا مشاعر قلما نجدها بيننا .
رأيت بعيون الطفله الكثير من المعانى والنظرات التى تتغير بسرعه تحركتها .
بالفعل قصه تتيح لنا النظر فى امور عده .
واولها أن نعطى لصغارنا حقهما فى العيش بدون نظرات الخوف والترقب ونظرات التمنى البسيط .

اجمل تحيه لك يا اخى .
واشكرك مرة آخرى لأختيارك هذه القصه المميزة
احترامى لك

Hanan Elshafey يقول...

فعلا قصه مميزه يا احلي ورده بيضا
يوسف ادريس مبدع حقا وانا اعشق فنه
اما قصر القصه مع وضوح الفكره اهي مهاره لايستطيع اي احد امتهانها دمتي بكل ادب وفن وكل عام وانت بخير

أحــوال الهـوي يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
أحــوال الهـوي يقول...

تحياتي
اولا ان خير الكلام ما قل و دل و انا معك في ان الغرض من الكتابة الادبيه من اهداف الكتابات الادبيه الابداع الفكري و تحريك الاحاسيس و لا يهم كيف يصل الكاتب الي القارئ فكل له ادواته و اسلوبه لذلك تعددت الاساليب و الوسائل

بالنسبة للقصة فهي لكاتب فوق النقد و التحليل

تحياتي

موناليزا يقول...

تمنياتى بعام هجرى سعيد علينا جميعا
واختيار موفق فكرتينى بايام ثانوى:)

Wish I were a Butterfly ... يقول...

أنا كمان حبيت مش الكتابة بس لكن كمان القراءة جدا من القصة دي
:)استمتعت بتذكرها من جديد

هو فعلا مش أي حد يملك موهبة إنه يوصل معنى معين في كلمات قليلة. اختيارك مميز فعلا

مدونتك راقية أوي :)

kochia يقول...

كل سنة وانتي طيبة

القصة انا قريتها طبعا قبل كدة
واختيارك ليها موفق

تحياتي

romansy يقول...

كل سنه وانتى طيبه
ربنا معاكى
ويوفقك فى شغلك

حكت القصه لنا عن البراءه التى تمنينها دائما ان تكون معانا فى حياتنا
لان البراءه اصبحت من الاشياء النادره فى هذه الايام
بشكرك على جمال القصه

rovy يقول...

السلام عليكم
عندك حق طبعا فالابداع ليس بطول القصه و لكن كما قلتى هى فكره خصوصا فى القصه القصيره المهم هنا ان تصل الفكره و نحسها كما احسستها فى هذه القصه الرائعه .. و التى اشعرتنى بالبراءه الضائعه من اطفالنا و الحرمان الذى يسيطر على مثل هذه الطفله و اشتياقها لعالمها الطفولى الجميل البرىء ..
خالص التقدير و التحيه

الازهرى يقول...

وردتنا البيضا

طبعا القصة جميلة وتمتلىء بالكثير من المشاهد التى تثير شجون النفس من معرفة ما لدى الكثير من الحرمان
ويوقظ فى النفس ان نخف الى مساعدتهم

كما تجعلنا نحمد الله على ما انعم به علينا

فجزاك الله عليه خيرا

شيماء زايد يقول...

الفنانه الجميلة
الورده البيضا

نظره ليها وقع خاص جوايا
لا يقل عن وقعها عليكي
العبقري يوسف ادريس ليه قصه لا تتعدي الاعشر اسطر ومع ذك هي قمه في الروعه
كما ان في نوع في الادب الحديث اسمه القصه القصيره جدا
يعني لو حتي سطر واحد ومستوفي شروط القصه
وكم من ادباء كبار عجزوا عن كتابه اقصه القصيره لما فيها من ايجاز وعمق وتكثيف

خالص تقدري وحبي
ومنتظره عزفك القادم علي اوتار امتاعنا

من غير عنـــوان يقول...

أميز حاجه بجانب التناول القصصي :... طعم الإيجاز المتكامل


أمنياتي

الوردة البيضا يقول...

ضي القمر
أول تعليق ، وأتمنى ألا تكون آخر زيارة.
تحياتي وشكري

الوردة البيضا يقول...

العزيزة حنان الشافعي
منوراني دايما ان شاء الله وسعيدة باتفاقك معي في الرأي.
كل سنة وانت طيبة يا صديقتي

الوردة البيضا يقول...

أحوال الهوى
أتفق معك طبعا في أن الرائع يوسف إدريس فوق التحليل والنقد
شرفتني بزيارتك
تحياتي

الوردة البيضا يقول...

موناليزا الجميلة
عام هجري سعيد على كل المسلمين إن شاء الله.
ومرسي لزيارتك يا قمر

الوردة البيضا يقول...

كوشيا
أهلا بك دائما وكل عام وانت بخير

الوردة البيضا يقول...

I wish I were a butterfly
يسعدني أن ذكرتك بقصة عزيزة عليك.
وأشكرك بشدة على رأيك في مدونتي المتواضعة
خالص تحياتي

الوردة البيضا يقول...

صديقنا الرومانسي
مبسوطة إن اختياري للقصة عجبك، وتسعدني زيارتك دائما
كل سنة وانت طيب

الوردة البيضا يقول...

روفي الجميلة
شرفتيني بزيارتك وبرأيك
خالص تحياتي

الوردة البيضا يقول...

الأزهري
جزاك الله خيرا على رأيك الجميل وعلى زيارتك الأجمل
تحياتي لك

الوردة البيضا يقول...

الصديقة الفنانة شيماء زايد
أشكرك يا عزيزتي على كلامك الجميل، وأتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنك.

كل سنةوانت طيبة

الوردة البيضا يقول...

من غير عنوان
أهلا بك دوما يا صديقي. شرفت ونورت

خالص تحياتي